بين مدينتي طرابلس بليبيا وأمستردام بهولندا تدور أحداث رواية "أزاتسي" للروائي الليبي مجاهد البوسيفي، الذي يرصد حكاية لجوء بطل الرواية إلى هولندا باعتبارها الطريق للحياة بعد "الجنون المطبق" الذي عاشته ليبيا سنوات طوال تحت حكم معمر القذافي، ومثّل إرهاصاً لاندلاع الثورة الليبية في فبراير 2011. ذلك "الجنون" الذي حوّل حياة البسطاء إلى متاهة في جحيم لا أول له ولا آخر، وحول حياة مَنْ يصابون بمرض السؤال إلى رحلة قصيرة قد تنتهي في سجن بوسليم في مدينة بنغازي، حيث قتل في يوم واحد 2200 شاب، بحسب الراوي. وتندرج الرواية ضمن موجة الكتابة التي انطلقت في أعقاب الربيع العربي، مستثمرة هامش الحرية الذي وجد فجأة بعد زمن طويل من "الكبت والحرمان". أما كلمة "أزاتسي" فتمثل الحروف الأولى لـ"مركز اللجوء الانساني" في مدينة لايدن بهولندا، والتي قضى فيها بطل الرواية عاماً من الحياة المؤقتة بقرية تبعد عن العاصمة الهولندية ساعتين بالقطار. الرواية التي صدرت عن "منشورات ضفاف" في بيروت بلبنان عام 2013، تقع في 220 صفحة متوسطة القطع. أمل ضعيف في ابتسامة وتبدو حكايات "البوسيفي" البسيطة عن رحلة بطله ومعه أصدقاؤه مشبعة بذلك الأمل الضعيف في ابتسامة لا تحمل هم واقع قاس ومجنون وفاسد، وأيضاً تحلم بهروب من تلك المساحة التي باتت عشقاً منذ وُلد فيها البطل و"باتت سجناً كبيراً يمارس فيه القائد جنونه". ويبدأ هذا "الجنون" من تغيير أسماء الشوارع ليغرق الليبيون في متاهة المكان، إلى تغيير التقويم ليغرقوا في متاهة الزمان، ثم إلغاء وسائل النقل العام وخدمات البنية الأساسية خوفاً من مجموعة كوماندوز إسرائيليين، ثم ترويج شائعة دخولهم الى طرابلس عبر الشاطئ ولا يكتفي القائد (معمر القذافي) بذلك بل يغيّر العملة أيضاً، وفق الرواية. ورغم القسوة التي تلوّنت بها أيام وأحداث الرواية على مدى عام كامل إلا أن ثمة إيقاعاً هادئاً – دون ملل – وحساسية مفرطة في رسم ملامح الحالة التي جاءت أقرب إلى التداعي رغم التقنية السردية والروائية الواضحة، ما يشير إلى أنها وإن كانت الرواية الأولى إلا أن ما استغرقته من زمن في الكتابة جعلها تتجاوز حالة الانفعال إلى التأمل المتجاوز للحدث، حيث يقف المبدع على مسافة منه ثم يقصّ متأملاً وهادئاً تماماً.