القاهرة -صوت الامارات
اختارت الكاتبة السعودية زينب حفني في روايتها الجديدة «عقل سيئ السمعة» (نوفل، هاشيت- أنطوان) أن تغوص في عالم يُعد من ضمن التابوات في الأدب العربي. فالمرض النفسي لا يزال من الأشياء «المُعيبة»، والتي لا يُفصح عنها، ويتعامل معها المحيط بالكثير من التحفّظ والتكتّم.
تبني زينب حفني روايتها على موضوعة الاضطراب النفسي من خلال بطلات يتوارثن الاكتئاب بيولوجياً مثلما تتوارث بطلات التراجيديا مصائرهن المفجعة. يُلاحق المرض النفسي ذاته أمّاً ورثت علّتها عن أمها ثم ورّثته لابنتها، فصارت نساء العائلة «مشبوهات» ويحملن جميعاً عقلاً سيئ السمعة، ومن هنا عنوان الرواية. جميلة ووجدان هما الشخصيتان المحوريتان في الرواية. تعيش الاثنتان المعاناة النفسية ذاتها، ولكن في فترات زمنية مختلفة. تبدأ الرواية مع الابنة وجدان التي تسرد بصيغة المتكلم إحساسها في يوم عيد ميلادها الثالث والثلاثين، وكأنّ الكاتبة ارتأت أن تكون هذه المناسبة بمثابة شرارة تنطلق منها الأحداث والذكريات. يوم ميلاد وجدان يولد لديها إحساساً بضرورة العودة إلى الوراء وتفحّص ما عاشته خلال أكثر من ثلاثة عقود. تحكي بهدوء عن حياة صاخبة عرفت فيها أقسى ما يمكن أن تعانيه امرأة. لا شيء عادياً في تلك الحياة. المسلّمات أيضاً مشكوك فيها: «لم أحب أحداً في حياتي كما أحببت أمّي. ولم أكره أحداً في حياتي كما كرهت أمي».
فالبطلة لا تستطيع أن تحدد مشاعرها تجاه أم مريضة، فعلت ما لا يمكن تصوّره أمام ابنتها في حالات اضطراب يضيع فيها عقلها. تدخل في نوبات اكتئاب، بكاء ثم ضحك، تنعزل ثم تخرج فلا تعود.
تتماهى شخصية الأم والابنة فتصيران واحدة. البداية تختلف، لكنّ الأزمة تودي بهما إلى النهاية نفسها. وجدان التي عاشت طفولة صعبة، تُكمل حياتها لترى أنها صارت نسخة ثانية من أمها. ورثت جمالها الصارخ، وعقلها المريض. لكنها تعتبر نفسها أشقى من أمها لأنها لم تجد رجلاً يحبّها ويتحمّل وزر مرضها كما فعل والدها مع والدتها. ظلّت تبحث عن رجل يُنسيها أحزانها، لكنّ عقلها الـ «سيئ السمعة» طرد جميع من أحبتهم من حولها، لتُكمل حياتها وحيدة، متألمة، مضطربة، فريسة مرض لا شفاء منه إلاّ بالموت.