دبي – صوت الإمارات
إذا أردت أيها القارئ المتذوق لجماليات اللغة العربية، والمتبحر في بيانها ومعانيها وبديعياتها، أن تعرف شيئاً عن جو هذه القصيدة الجديدة التي نشرها الشاعر الكبير في يوم عيد الفطر المبارك، فاعرفها من عنوانها: إجرام.
إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يعرف كيف ينتقي عنواناً لقصيدته، فمثل هذه القصيدة المليئة بالمرارة والأسى والأسف تحتاج إلى عنوان لافت للنظر من بعيد، حتى ينفر سمع من يسمعها قبل أن يقرأها، لذلك فإنه اختصر لك المشوار وأعطاك كومضة سريعة من البداية ليشدك إلى قراءة القصيدة ولتؤمن بمسلّماتها وأنت لم تقرأها بعد.
ثم تأمل كيف يقارن الشاعر في دهشة بين الجاهلية والإسلام في عصوره الأولى، وبين الإسلام في القرن الخامس عشر من الهجرة الذي لم يبق فيه شيء من الإسلام إلا اسمه، أما رسمه الممارس منه فإنه أصبح محرفاً لدرجة أنه يمجّه المسلم قبل غير المسلم لولا أن هيُولاهُ محفوظ في كتاب الله. من أجل ذلك يأسف الشاعر على جاهلية مضت وكانت من جانب واحد مضيئة تتسم بالنخوة والشهامة والمروءة واحترام المقدسات، رغم أنها من جانب آخر كانت متهمة بالجهل والطيش والعنجهية في كثير من حالاتها.
ومن شدة إعجاب الإسلام بالجانب المضيء عند أهل الجاهلية، فإنه أقر تلك الخصال الكريمة وأثنى على أهلها رغم أنهم جاهليون وعبدة الأصنام، ولا أجمل في هذا المقام من قصة السفّانة بنت حاتم الطائي، وكانت من ربات الفصاحة والجمال. يقول علي بن أبي طالب لما أتينا بسبايا طي كانت في النساء جارية حوراء العينين لعساء لمياء عيطاء شماء الأنف معتدلة القامة ردماء الكعبين خدلّجة الساقين، لفّاء الفخذين خميصة الخصر ضامرة الكشحين.
يقول علي، فلما رأيتها أعجبت بها فقلت لأطلبنها إلى رسول الله ليجعلها من فيئي، فلما تكلمتْ أنسيتُ جمالها لما سمعت من فصاحتها فقالت يا محمد: هلك الوالد وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني فلا تشمت بي أحياء العرب، فإني بنت سيد قومي. كان أبي يفك العاني ويحمي الذمار ويُقري الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة، أنا بنت حاتم طي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن دمعت عيناه: يا جارية هذه صفة المؤمن، لو كان أبوك إسلامياً لترحمنا عليه. ثم قال: خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق، ثم أسلمت السفانة وحسن إسلامها.