"الفن في قطاع غزة" خيط يلوّن حياة المقهورين

الحدث المؤلم الذي مزق قطبي فلسطين عام 2006، أفرز الكثير من الأزمات التي اكتوى بنارها عامة الشعب الفلسطيني، حيث عزل قطاع غزة تماماً عن العالم، وفرض عليه حصاراً هو الأطول.

فالانقسام والحصار زادا الطين بلة، وأرهقا كل أهالي القطاع ضحية الحدث الدامي ونتيجته، إذ تعد غزة الشطر الثاني من الوطن المنقسم الأكثر تضرراً من خلافات الساسة، وممارسات عدوهم، فمازال سكانها يرزحون تحت حصار أفرز العديد من الأزمات المركبة والمتفاقمة يومياً.

مشاهد الحصار اقتحمت كل مجالات الحياة اليومية للغزيين، ولم تقتصر على النواحي السياسية والاقتصادية والإنسانية، بل طالت كل شريحة تتنفس الهواء المحاصر، فشؤون حياتهم كافة متوقفة في انتظار فتح المعابر المغلقة، وإدخال المواد الضرورية، وكذلك تصالح الأشقاء المتناحرين، وتحقيق الوحدة الوطنية، لتعود الحياة تدريجياً لهم من جديد.

مجالات الفن كافة في قطاع غزة سواء كان أدباً أو فناً تشكيلياً أو مسرحاً، وقعت تحت تأثير الانقسام والحصار، ولكن فناني غزة لم يفسحوا المجال أمام الأزمات المتعددة لتنل منهم، فكانوا أداة تواجهها بقوة وحزم، بل عدلوا من مسارات الحياة التي شوهت تلك الأزمات ملامحها.

فمنهم من نظم أشعاراً وقصصاً قصيرة، وأصدر كتباً صفحاتها طويلة تتحدث عن تأثير الحصار، وبسالة الشعب، وهناك من رسم عيون الأطفال الباكية، فيما أخرج العديد من هواة العمل المسرحي مسرحيات وطنية جسدت معاناة الفلسطينيين، ولامست جراحهم.

الكاتب والأديب الفلسطيني يسري الغول من سكان مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، أصدر العديد من مؤلفات الكتب ومجموعة قصص قصيرة جميعها حمل عناوين أزمات الحصار والانقسام، وتناولت مضامينها معاناة الغزيين وتأثير تلك الأزمات فيهم.

وكان آخر إصدار نشره الأديب الغول كتاباً بعنوان "الموتى يبعثون في غزة"، وهو عبارة عن مجموعة قصصية تتناول واقع الحياة المعاش في غزة، بأسلوب سينمائي يستخدم لغة تقص حكايات المعذبين والمقهورين حول العالم.

وعن ذلك يقول الكاتب الغول إن: "عناوين مجموعتي القصصية كانت مفعمة بالتنوع والتعدد، ومنها، ترنيم الوجع، والهاوية، ونافذة قلعة، ولكنها كانت مجتمعة حول قضية واحدة، حيث تروي حكايات الفلسطيني الموجوع الذي ينبعث من الرماد كطائر الفينيق".

ويؤكد الغول وجود حالة نهوض ثقافي فردي في غزة، على الرغم من حالة الضعف والهزال التي تسبب فيها كل من الانقسام الفلسطيني والحصار الإسرائيلي.

ويضيف الأديب الغزي "إن الإبداعات الشابة والأصوات الجديدة في فلسطين تؤسس لمرحلة نضوج في الفكر والثقافة، فمن خلال متابعتي لعدد من الأعمال الإبداعية، سواء في القصة أم في غيرها، أجد بأن هناك أنفاساً متلاحقة، قوية تضج بالحياة، ومفعمة بالقوة".

وإيماناً منه بدور الفنان تجاه فئات المجتمع كافة وقضاياهم العادلة، أسس الأديب الغول تجمع قرطبة الثقافة، وهو عبارة عن حاضنة ثقافية لكل الفنانيين الفلسطينيين في شتى المجالات، فمنهم موسيقي شاب، وشاعر صاحب بيان، وكاتب ساخر وآخر روائي، إلى جانب عدد من الفنانين الحاصلين على جوائز في المسرح، وشعراء.

ويجتمع فنانو "قرطبة الغزي" بشكل دوري ومنتظم، لتبادل الآراء المختلفة في سبيل إخراج أعمال فنية تحاكي واقع المجتمع الفلسطيني في غزة، ويساندون بواسطتها المضطهدين والمسلوبة حقوقهم، حتى ينهضوا من جديد، لممارسة حياتهم اليومية متحدين كل الظروف المفروضة عليهم.

ويقول مؤسس تجمع قرطبة إن "حالة التشرذم التي يعيشها أطياف الشعب اجتماعياً وسياسياً، إضافة إلى انحراف بوصلة قادة الفصائل السياسية عن العمل الوطني الموحد، دفعنا للأخذ بأيدي المواطنين إلى المسار الصحيح، فنوضح لهم أهداف الحياة الحقيقية، ونتلمس آلامهم، ونعرضها من خلال كتاباتنا وأعمالنا الفنية، لنخلق حالة وعي متكاملة تكون نقطة انطلاقها الحاضنة الثقافية المتكاملة التي نسعى إلى توسيعها لتشمل الكل الفلسطيني".

الفنان التشكيلي الفلسطيني بلال خالد من سكان مدينة خان يونس جنوب القطاع، يعد صاحب المبادرة الأولى في انتشار الفن "الغرافيتي" في مناطق غزة كافة، فقد خط على جدران المدينة المحاصر أهلها لوحات غرافيتية، التي تروي حكايات الناس اليومية، وتخط صورة مقربة عن أدق التفاصيل لمعاناتهم المتعددة.

ومن أضخم الأعمال التي رسمها الفنان خالد، جدارية "لما الحيطان تحكي"، التي تعد أكبر لوحة فن "غرافيتي" في فلسطين كافة، حيث جسدت ملامح طفلة متشحة بالكوفية الفلسطينية، وتقبع خلف قضبان حديدية، فيما تروي عيناها حكايات الحزن والحرمان الذي يسيطر على حياة أطفال فلسطين، خصوصاً سكان قطاع غزة.

ويقول الفنان الغرافيتي خالد أن: "الفنانين في غزة حملوا على عاتقهم مسؤولية كبيرة، فهم يمثلون صوت المجتمع وأمله المنتظر، فيما تعلق عليهم آمال كبيرة في تعميق حالة الحداثة والتجديد المفقودة في غزة منذ 10 أعوام بفعل أزمات الحصار والانقسام".