أبوظبي – صوت الإمارات
احتفل العالم البارحة باليوم العالمي للترجمة، وذلك تكريماً لدَور الترجمة والمترجمين في نقل الحضارات والتقريب بين الشعوب المختلفة، فالترجمة ليست مجرد كلمات نغير لغتها، بل هي جسر ينقل المعرفة والعلوم والثقافات لتتجول بحرية عبر الأماكن والأزمنة والعصور، فتستفيد منها الأجيال الجديدة وتبني عليها، وتُنتج حضارة أكثر حداثة بالاعتماد على إرث علمي تركه الأسلاف، ولذلك تُعتبر الترجمة من أهم عوامل النهوض بالأمم والشعوب وتعزيز ثقافة التفاهم والتسامح فيما بينها.
ونفتخر نحن اليوم بالإرث العظيم الذي خلفته الحضارة الإسلامية للإنسانية جمعاء، بما تركته من معارف وعلوم خلال عصرها الذهبي الذي تميز بحركة ترجمة ديناميكية نشطة، ذلك العصر الذي سطع فيه نجم العلماء والمترجمين والمفكرين والأدباء، فأصبح العالم العربي حينها منبعاً علمياً وأدبياً نهلت منه شعوب وحضارات العالم، ومن بينها الحضارات القائمة إلى يومنا هذا.
فخلال تلك الفترة كانت اللغة العربية لغة العلم، وذلك لم يأتِ من فراغ، بل كان نتاجاً لجهود حثيثة سخّرت نفسها لخدمة العلم والحضارة والإنسانية في مجالات عدة منها على سبيل المثال لا الحصر، الرياضيات والفلك والملاحة والأدب وغيرها، فتضافرت جهود العلماء على اختلاف أفكارهم وعقائدهم في أرض واحدة، وقرروا أن يبدؤوا من حيث انتهى من سبقهم، فترجموا أعمال الفلاسفة والعلماء الذين سطع نجمهم في الحضارات السابقة مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو، هذا كما حافظت حركة الترجمة إلى العربية على إرث حضاري كان من المحتمل أي يختفي في ظل الفوضى التي عمت مناطق بعض الحضارات بعد سقوطها مثل منطقة الحضارة الرومانية. وبذلك قادت حركة الترجمة العربية ثورة معرفية وعلمية عززت من قوة وحضور الحضارة الإسلامية.
واليوم، نحن في أمسّ الحاجة لاسترجاع تاريخنا العربي والإسلامي الغني بالعلم والثقافة حتى نُذكر أنفسنا بأصولنا العلمية المترسخة، ونعيد شغف وحب العلم الذي ساد بين أجدادنا، ولدي إيمان عميق بأننا نستطيع صنع مستقبل أفضل للأجيال القادمة لو أخذ كل فرد منا قراره بالتغيير الآن، ومَلك الإرادة الحقيقة لإحياء عصرنا الذهبي في الترجمة واستئناف الحضارة.
ولذلك أطلقت "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية" تحدياً جديداً هو الأكبر من نوعه في الوطن العربي، إنه "تحدي الترجمة" الذي يتضمن ترجمة 11 مليون كلمة تُشكل محتوى 5 آلاف فيديو تعليمي في مادتي العلوم والرياضيات تم إعدادها وفقاً لأعلى المعايير العالمية، وتوفير الفيديوهات المترجمة باللغة العربية مجاناً على الإنترنت لكل طالب عربي، وبذلك نعبر الحدود بتوفير التعليم المتميز لأكثر من 50 مليون طالب عربي.
ولأن يدَ الجماعة هي القادرة على إحداث الفرق، ولأن الإنسان هو أساس استئناف الحضارة، فإننا نفتح الباب أمام جميع الأفراد العرب في كافة أنحاء الكرة الأرضية، ليتحدوا معنا وينضموا إلينا في هذا التحدي ليساهموا في تأسيس مكتبة عربية متميزة ومتطورة للطلاب العرب في مادتي العلوم والرياضيات، حتى نضع التعليم المتميز في متناول كل طالب عربي طموح متعطش للمعرفة. كما تسعى المبادرة أيضاً إلى تعزيز روابطنا العربية عبر المساهمة في إعادة بناء الشعوب العربية ومواجهة الأزمة التي تمر بها المنطقة عبر مواجهتها بسلاح أقوى من كل الأسلحة ألا وهو سلاح العلم والثقافة والمعرفة.