دبي – صوت الإمارات
لا تتقاطع التجارب التي يقدمها معرض "مشهد من المنطقة"، الذي افتتح أخيرًا في "برو آرت" غاليري بدبي، مع بعضها بعضًا، لا من حيث الأسلوب ولا المنهج الفني، فلكل تجربة خصوصية في الوسائط الفنية والطرح. ينقلنا المعرض الذي يجمع جمال السويدي، وأنس الديب، وهاني ناجي، الى التصوير والنحت والتشكيل، حيث تقدم هذه الفنون في قالب يحمل تفاصيل حياتنا اليومية، وتفيض من الأعمال ملامح المعاناة بشكل واضح تارة، وبشكل رمزي في الطور الآخر، كما أنها ترصد الأحلام فتحرك في النفس الكثير من المشاعر التي تبدو في هذا الوقت كما لو أنها فائضة عن الحاجة.
تعتبر الثقافة المحلية والتراث الملهم الأوّل للفنان الإماراتي جمال السويدي، فهو يأخذ منهما موضوعاته وأعماله، سواء من جهة الشكل المباشر أو حتى العناصر. يعشق السويدي الحرف العربي، ويستخدمه في أعماله للتعبير عن مشكلات المجتمع، وكذلك في ايصال رسائل للعالم. وتفيض من أعماله النحتية ملامح الجمع بين الماضي والحاضر، فالفن بالنسبة إليه اللغة التي يمكن من خلالها الحديث الى ثقافات العالم، فهو الجسر الذي يربط في ما بينها. وقدم في المعرض مجموعة من المنحوتات المستمدة من التراث، كالصقر، والنفط، بينما خصص للشهيد منحوتة بعنوان "شهيد"، أما العائلة فكانت لها حصة من منحوتاته التي جسدت الأم والأب. وقال عن أعماله: "يحمل المعرض عملًا جديدًا بعنوان (رسالة)، وكذلك منحوتات تحت اسم (العائلة)، وقدم العمل رسالة باعتباره رسالة سلام الى العالم، فهو عبارة عن مغلف تفيض من داخله كلمة سلام بثماني لغات". أما عمل "العائلة" فهو عبارة عن الأب والأم وكأنهما في قارب، واعتمد فيهما على الستانلس الستيل المطلي بالذهب الى جانب البرونز. ولفت الى ان علاقته بالحرف العربي وطيدة، وهذا ناتج عن جماليات الحرف، الذي من شأنه أن يقدم الهوية العربية، وربطها بالتراث الفني، والموضوعات التي تحكي عن الحياة والمجتمع. أما الملامح المحلية وسيطرتها على الأعمال، فأشار الى كونها تشكل المرحلة الكلاسيكية. ورأى ان تحديات النحت في الامارات كثيرة، ولكن تقديم الثقافة المحلية يجذب المقتنين من الاجانب قبل العرب، لأن الفكرة القوية للمنحوتة تجعلها جاذبة للمشاهد، بينما اعتبر مشاركته في المعرض فرصة كي يتشارك فنه مع الآخرين، ويستفيد من التجارب الأخرى.
بالأبيض والأسود اختار المصور العُماني، أنس الديب، تقديم معاناة الصيادين، فالتقطت عدسته تفاصيل حياتهم اليومية، ومشقات هذه المهنة وصعوباتها. ينقلنا المصور الشاب الى عالم البحر وغنائمه التي كانت ومازالت مصدر رزق لكثير من العائلات في عُمان، وكذلك في الخليج. ويحاول تسليط الضوء على المصاعب التي يواجهون، سواء في الصيد أو جمع السمك أو نقله، ولكن بأسلوب يحتفي بجمال المكان. وتتنوع العناصر التي تسيطر على مشاهده، وتتجزأ الصورة الواحدة الى أقسام عدة، بدءًا من السماء وتحليق الطيور، ثم حركة الموج والبحر، وبعدها حركة الصيادين. اجتماع هذه العناصر في الصورة يجعلها صورًا مفعمة بالحركة والحياة. وقال الفنان عن أعماله: "اخترت هذه الثيمة كونها ترتبط بتراثنا العماني والخليجي، وأردت أن أعكس التراث ومعاناة الصيادين، وقد عملت على هذا الموضوع مدة ثلاث سنوات". وأضاف، "تم تصوير الأعمال في صلالة، وقد واجهت صعوبات في التصوير بحكم الضوء، خصوصًا ان الصيادين يعملون في أوقات النهار، حين تكون أشعة الشمس عمودية، بالإضافة إلى أن التعاطي معهم ليس سهلًا، خصوصًا أنهم لا يتقبلون فكرة تصويرهم سريعًا". وأشار الى أنه جلس مع الصيادين لمدة تصل الى أسبوع قبل البدء بالتصوير، الأمر الذي مكّنه من المساهمة في نقل معاناتهم ومشكلاتهم الى الجهات المختصة، وساعدهم على حلها. وصنف الديب أعماله، بكونها تندرج ضمن الاعمال التي توثق التراث، وتنقله الى الخارج، مشيرًا الى أن حرصه على تقديمها بالأبيض والأسود، أتى نتيجة إرادته لنقل المعاناة، موضحًا أن الألوان في الصورة تمثل الفرح والحياة. أما موضوع الصورة فرأى انه أهم من المهارة، خصوصًا مع انتشار التصوير، فالمطلوب اليوم تقديم فكرة مميزة.
التكرار هو المنهج الذي يتبعه الفنان العراقي هاني ناجي في لوحاته، فيأخذ الشمعة لينير فيها الكانفاس، أو يجعلنا نسافر على متن طائرات ورقية كثيرة، في حين تبدو السلالم التي تنتشر على الكانفاس كما لو انها الفرصة للصعود والعلو. تلوج أعماله الخيال عند المتلقي، ولكنه يتمكن بصيغته الخاصة أن يجعل اللوحة مميزة بصريًا ومختلفة، ما يعني أنها تصيب وجدان من يشاهدها، خصوصًا لجهة الطرح الفكري، فهي تحمل قصصًا ترتبط بالرموز المهمة في حياتنا اليومية. وقال ناجي، عن أعماله، إن "الثيمة الخاصة بأعمالي تكمن في كوني أرسم الأغراض الموجودة في حياتنا، بشكل تكراري في اللوحة، ما يجعل اللوحة عصية على النسيان". وأضاف، "العمل الذي تتكدس وتتشابك فيه السلالم، يترسخ في الذهن، لأن المشهد غير مألوف ويثير فضول الجمهور حول سبب تكدسها هكذا". ورأى أن تقديم هذا العمل يؤدي الى ايجاد أفق في العمل، ومساحات كبيرة، معتبرًا ان هذا ينتج عن السكيتش الأولي، فهو ينفذ العمل مباشرة على اللوحة. أما منهج التكرار، فشدد على مرونة تطبيقه في أكثر من مكان، اذ يختار الرموز القابلة للتطبيق في هذه التقنية، كالساعة الرملية وطائرة الورق والشمعة، مشيرًا الى وجود معانٍ كثيرة تحملها الثيمات المطروحة، فالطائرات الورقية تعبر عن السفر بالأحلام، بينما المفاتيح رمز الاستقرار. وأشار الفنان العراقي الى انه عاش في مخيم للاجئين في فترة من حياته لمدة سنتين، وقد تأثر بهذه التجربة كثيرًا، ولكن بشكل ايجابي، مبينًا أنه كان يمضي 16 ساعة في الرسم كل يوم، وذلك لرفضه التعامل مع أي شيء آخر. وأكد أن هذه التجربة هي التي أدت الى احترافه في الرسم، وكذلك تحسين رؤيته للحياة، فتعلم الصبر أكثر، وكذلك النقل بشكل دقيق جدًا، بينما مثّل المعرض فرصة له للتواجد في الشرق الأوسط