يسرا مارديني وأختها قطعتا البحر سباحة كي تصلا إلى أوروبا

تشارك سبّاحة سورية للمرة الأولى في دورة الألعاب الأولمبية 2016 في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، بعد أن استطاعت وشقيقتها الهروب من دمشق في رحلة شاقة كادتا أن تفقدا فيها حياتهما غرقًا قبل الوصول إلى شواطئ اليونان، بينما أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية أنها ستسمح لفريق من اللاجئين بالمشاركة في دورة الألعاب الصيفية للمرة الأولى.
وتركت السبّاحة يسرا مارديني وشقيقتها سارة منزلهما في دمشق إلى بيروت ثم إلى اسطنبول وأزمير في تركيا الصيف الماضي، ثم تمكنتا من الصعود على زورق لعبور البحر المتوسط إلى جزيرة ليسبوس اليونانية في رحلة استمرت ثلاثين دقيقة، ومع ذلك توقف المحرك والزورق الذي يقل 20 شخصًا بالرغم من أنه يتسع لستة أو سبعة أشخاص فقط أصبح مهددًا بالغرق.
فقفزت يسرا وسارة وامرأة أخرى في الماء وسحبن الزورق حتى وصلن إلى الشاطئ، فقد كن الوحيدات على متنه ممن يعرف السباحة، وصرحت يسري في مؤتمر صحافي في برلين الجمعة "أعتقد أنه سيكون من العار الحقيقي لو غرقت في البحر فأنا سباحة"، وأشارت إلى أنها كرهت البحر المفتوح منذ ذلك الوقت.


وأملت يسري في آب/أغسطس الماضي وبعد عام من مغادرتها بلدها أن تتمكن من تغيير حياتها مرة أخرى، ولكن في ظروف أكثر سعادة، وتعيش اليوم وتتدرب في ألمانيا، وتبلغ من العمر 18 عامًا وهي واحدة من 43 رياضيًا في جميع أنحاء العالم الذين غادروا أوطانهم وأصبحوا لاجئين واجتمعوا في فريق واحد لينافسوا في دورة الألعاب الأولمبية المقبلة في ريو دي جانيرو البرازيلية.
ووصلت الاختان مارديني إلى برلين شهر أيلول/سبتمبر الماضي، واستطاع مترجمهما المصري أن يصلهما بواحدة من أقدم أندية السباحة في المدينة، وعلى إثرها قرر المدرب سفين كريبس أن يسرا كانت جيدة بما يكفي لتكون ضمن الفريق، وعلى مدى الأشهر الخمس اللاحقة عملت مارديني أكثر مما كان متوقعًا منها، وأصبح النادي يتحدث عن قدرتها على المشاركة في أولمبيات طوكيو العام 2020.
وأوضح مدربها بقوله "لكن بعد ذلك أخذت الأمور بالتطور بشكل أسرع مما كنا نتوقع، وهناك الكثير من الناس الذين يرون في يسرا مثالًا يحتذى به، فلديها أهداف واضحة وتستطيع تنظيم حياتها من حولها، ولديها مستوى من التنظيم وكأنها ألمانية"، ونفت يسرا هذا الكلام بإشارة من رأسها قائلة "نحن هكذا في سورية"، وتمتع المراهقة السورية اليوم بفوائد رياضي النخبة في ألمانيا، ويسمح لها بالتدريب مرتين يوميًا في حمام السباحة الأولمبية القياسي، الذي يقع بجانب مدرستها، ويتضمن النهوض الساعة السابعة وتتدرب لمدة ساعتين أو ثلاثة ثم تذهب لتناول الطعام وتعود إلى المسبح ثانية.
واقتربت اللجنة الأولمبية الدولية من الموافقة على مشاركة سورية في دورة الألعاب المقبلة، وقالت الأولمبية السورية إنه لا مشكله لها في أن تشارك مارديني مع فريق اللاجئين، ولكن المسؤولين يؤكدون أن سورية ترصد السباحة السابقة وطلبت الحصول على تحديثات منتظمة حول التقدم الذي تحرزه.
ولم تلزم مارديني نفسها بأي شيء في هذا الأمر، وقالت "بالطبع انتقد وطني، ربما سأبني حياتي هنا في ألمانيا، وعندما أصبح مسنة سأعود مرة أخرى إلى سورية أعلم الناس عن تجربتي، أريد من جميع اللاجئين أن يكونوا فخورين بي، وأن يعرفوا أنه حتى عندما يخوض الإنسان رحلة صعبة فإنه يستطيع تحقيق شيء في النهاية".
وأعلنت اللجنة الأولمبية الدولية للمرة الأولى في تاريخها في وقت سابق من هذا الشهر أنها ستسمح لفريق من اللاجئين بالانضمام إلى دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في دي جانيرو، ويتكون الفريق من الرياضيين الذين وجدوا أنفسهم بلا جنسيات وليسوا في فرق بلاهم، وأكد رئيس اللجنة، كرسي توناس باخ، أن فريق اللاجئين سيحمل العلم الأولمبي وسينشدون نشيدها، ويشاركون في 5 آب/أغسطس في حفل افتتاح ستاد ماراكانا قبل فريق البرازيل.
ويتوقع أن يبقى الفريق صغيرًا في نهاية المطاف، فيقدر باخ أن فقط بين خمسة إلى عشرة رياضيين سيصلون إلى المستوى الذي يؤهلهم في مجالات الرياضة كلها، ولكن بعد تحديد الـ43 مشارك المحتملين ستوفر اللجنة التدريب اللازم لهم وتعطيهم أفضل فرصة ممكنة، وجاء في الفريق إلى جانب يسرا مقاتلة التايكوندو الإيرانية راحلة أسيماني التي لجأت إلى بلجيكا، وبوبل ديسيناجي الذي طلب اللجوء إلى البرازيل العام 2013 من جمهورية الكونغو الديمقراطية والذي سينافس في بطولة العالم للجودو.
وتتراوح أعمار باقي الفريق بين 17 و30 عامًا، وتم تحديد أكثر من نصفهم في مخيم للاجئين شمال غرب كينيا، يبعد نحو 55 ميلاً من الحدود التي مزقتها الحرب في جنوب السودان، وقال مدير برنامج التضامن مع الأولمبيات الدولية، بير ميرو، والذي يقف خلف تكوين الفريق أنه بعد زيارة مخيم مترامي الأطراف في كانون الثاني/يناير الماضي اقتنع أكثر من أي وقت مضى أن يأخذ معه فريق للاجئين.
وتمكنت المنظمة بمساعدة اللجنة الأولمبية الكينية التي أسستها العداءة الكينية تيغلا لورب، أن تنظم مسابقات مهنية حددت من خلالها 23 رياضيًا يمكن أن يشاركوا في فريق اللاجئين معظم من عدائي المسافات المتوسطة والبعيدة من جنوب السودان، وبوروندي، ورواندا، وإثيوبيا وإلى جانب مالي، وأوغندا، وسورية، وإيران، والعراق.
ونقل الرياضيون المختارون إلى منشأة تدريب لوروب في نيروبي، في حين أن المخيم الذي جاءوا منه يحتوي على 180 ألف شخص، ويحتوي على بينة تحتية رياضية بما في ذلك دوري كرة القدم يضم أكثر من 150 فريقًا وأكثر من 60 فريقًا لكرة السلة، وتابع ميرو "لقد تأثرت لدى رؤيتي كيفية حياة الناس في المخيم، إنه وسط اللامكان، وعليهم أن يفعلوا شيئًا، واختاروا من الرياضة أن تكون الوسيلة التي تبقيهم نشيطين وعلى قيد الحياة".
وأعطيت كل من الإيرانية راحلة وبوبل فرصة للتدرب مع فريق بلدانهما الجديدة، وتبلغ الأولى 26 عامًا، وولدت في مدينة بالقرب من طهران العام 1989 وهربت من وطنها العام 2012 لأسباب لم تكشفها، وتركت معظم أفراد عائلتها وراءها، وقالت إنها أرادت منذ البداية أن تصبح لاعبة جمباز في مقابلة مع التلفزيون البلجيكي ولكن والدها شجعها أن تحترف التايكوندو لتصبح الرقم الأول في إيران، ولكن لم تكن قادرة على السفر للمنافسة دوليًا، وتتدرب اليوم مع الفريق الوطني البلجيكي، وكانت تخشى من عدم المشاركة في ريو دي جانيرو، إلا اذا كانت تحمل الجنسية البلجيكية.
ووافق الاتحاد العالمي للتايكوندو في وقت سابق هذا العام على السماح لها بالتنافس في التصفيات المؤهلة كرياضية مستقلة، وفي إسطنبول في كانون الثاني/يناير الماضي، وفازت راحلة تحت راية الاتحاد العالمي للتايكوندو في النهائيات النسوية لبطولة وزن أقل من 57 كيلو غرام، وهذا يعني أنها بالفعل مؤهلة للمشاركة في دورة الألعاب في ريو، وتقول "المشاركة في ريو حلم بالنسبة إليّ، والآن سأقدم كل ما لدي كي أفوز".
وذكر بوبل أنه اضطر للهرب من وطنه الذي دمرته الحرب الأهلية الدامية والطويلة الأمد بعد مقتل والدته وفقدان شقيقه، ويشير "أتساءل أحيانًا كيف أعيش في الوقت الذي كان فيه الكثير من الناس يموتون، رأيت الحرب والكثير من الموت، ولم أرد أن أصل إلى هذا، أردت أن تبقى أيدي نظيفة حتى أستطيع ممارسة الرياضة".
ويتدرب اليوم لاعب الجودو الكونغولي الآخر يولاد مابيكي مع المنتخب البرازيلي الوطني ثلاث مرات في الأسبوع، وحظيت يسرا قبل فرارها من دمشق بدعم اللجنة الأولمبية السورية، وسيسعى المنتخب السوري إلى إقناعها بالمنافسة تحت راية بلادها كضربة دعائية محتملة للنظام.