الليبية المحاذية للجزائر والنيجر

تمثّل منطقة الجنوب الليبي سيما الجنوب الغربي منها وحتى مشارف وسط الجنوب التي تنتهي عندها صحراء ليبيا شمالا مسرحاً لتنقلات التنظيمات المتطرّفة وشبكات عصابات تهريب المهاجرين والمخدرات والأسلحة بعيداً عن سلطة أي من حكومتي ليبيا وقواتهما المنشغلتين بالصراع على السلطة في الشمال، وبالرغم من القضاء على تنظيم "داعش" أخطر التنظيمات المتطرّفة في ليبيا وطرده من معقله الرئيس في سرت العام الماضي على يد قوات البنيان المرصوص التابعة لحكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة، إلا أن شبح التنظيم لا يزال يطل على المنطقة المحيطة بسرت بين الفينة والأخرى.
وأكّد الخبير الأمني والعقيد المتقاعد بجهاز الأمن الليبي، علي الصيج، أن المنطقة الليبية المحاذية للجزائر والنيجر أو ما يعرف بالمثلث الحدودي الذي لا يخضع لسيطرة أي من تلك الدول يشكل منطقة خصبة لتنقل عصابات التهريب والتنظيمات المتطرّفة موضحاً أنه "عبر منفذ التوم الذي لا يخضع لأي سلطة ليبية أو نيجيرية وصولا إلى أوباري جنوب البلاد ومنها إلى محيط مزدة وتحديدا منطقة قرزة التي تشكل منفذا آمنا للجبال الوعرة التي تربط منطقة بين وليد بجنوب سرت ومناطق وسط ليبيا يمكن لداعش التنقل بحرية".
وتؤكد تصريحات سابقة لقادة البنيان المرصوص ما قاله الصيد، فقد أكدت أن فرق للاستطلاع الجوي رصدت تنقلا لأرتال داعش في قرزة وصولا إلى النوفلية وهراوة شرق سرت حيث دخلت سيارات للتنظيم لهذه المناطق للتبضع والحصول على المؤن، كما أن الطيران الأميركي نفذ غارات جوية في أغسطس/آب الماضي على تمركزين للتنظيم في أودية "حقف الطير والحصان" الواقعة بين سرت وبني وليد، وفي تفاصيل أكثر قال الصيد بأن "تقارير أمنية أثبتت وجود معسكرات للتنظيم في أودية سوف السجين ونفد وأم العجرم وام الخراب وميمون"، مشيرًا إلى أنها أودية يمتد بعضها إلى الجزائر والجنوب الليبي سيما فروع وادي البي الكبير وفروع بونجيم.
وذكر أن "التنظيم يستفيد من سلاسل الجبال الممتدة بين بني وليد وحتى جنوب طرابلس في ترهونة وكلها تتآلف لتشكل مع الصحراء طرقا آمنة لتنقل داعش وغيرها بحرية حيث تمثل لها غطاء طبيعيا للحماية"، وعن دور قوات البنيان المرصوص والجيش الليبي التابع لمجلس النواب في كبح جماح توسع التنظيم قال الصيد إنه "لا يوجد تنسيق بينهما بكل تأكيد تبعا للوضع السياسي لكن عمل كل منها على انفراد لا يزيد عن التمركز داخل المدن الهامة في هذه المنطقة كسرت والجفرة مثلا أو دوريات لحماية حقول النفط بالهلال النفطي وجنوبه وليس لديها مهام لمطاردة وملاحقة أرتال داعش"، مشيرا إلى أن عصابات التهريب التي تمر جهارا نهارا بجانب هذه المناطق لا يمكن التفريق بينها وبين دوريات داعش المتنقلة.
وكشف تقرير للبعثة الأممية لدى ليبيا في أغسطس الماضي عن استمرار نشاط التنظيم جنوب سرت وفي الجنوب الغربي من البلاد، وهو ما أكده أيضاً مسؤول عسكري من البنيان المرصوص التي لا تزال متمركزة في سرت بالقول "داعش فقد قوته المعلنة في سرت وسط البلاد وفي صبراتة غربها لكن خطر عودته مرجح فهو يعيد ترتيب صفوفه في الخفاء بعيدا عن الأعين وما نعرفه عنه لا يمثل 10% على الأكثر فهناك معسكرات بعيدة في الصحراء يتواجد فيها التنظيم ويرتب فيها صفوفه للعودة".
وأشار إلى أنه من المعلوم أن خلاياه المتنقلة لا يزيد عددها عن 200 مقاتل لكنه يقول إن الرقم ترجيحي لا يقوم على معلومات استخباراتية موثقة، وعن إمكانية تسرّب مقاتلين من الخارج لدعم تواجد التنظيم قال المصدر "هذا مؤكد والمنطقة الجنوبية المرتبطة بالنيجر الأكثر ترجيحاً لتسربه إلى جنوب ليبيا ولدينا ما يؤكد أنه كان يعد لعمليات نوعية ضد مواقع النفط أحبطها الطيران الأميركي في غارتين في أكتوبر الماضي في منطقة الفقهاء بالجنوب وهو مؤشر على تنامي قوته بسبب وصول مقاتلين أجانب إليه".
ورفض المصدر الأمني الحديث عن إمكانية مساعدة جماعات إسلامية بليبيا، كالجماعة الإسلامية المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة في تسهيل وصول مقاتلي داعش إلى ليبيا، قائلا "ليس لدينا ما يؤكد ولكننا لا نستبعد شيئاً في ظل عدم تفاهم السياسيين في البلاد واستمرار الفوضى".