بغداد - نجلاء الطائي
عبّر مدير مكتبات جامعة الموصل، محمد جاسم الحمداني، عن امتنانه حين رأى مجموعة جديدة من الكتب المدرسية على مكتبه، ولكن ذلك لم يعوّض حزنه بسبب الكتب التي أحرقها تنظيم "داعش" المتطرف من المكتبات.
داعش بدأت حربها على القراءة والتعلم
وضمت المكتبة المركزية للجامعة أكبر مجموعة أدبية في الشرق الأوسط، وبعد سيطرة داعش على الموصل في صيف عام 2014، وجد أهل المدينة أنفسهم دون المكتبة، كما أصبح السيد حمداني دون عمل، وهرب الموظفون والطلاب خوفًا من ما سيحدث، وكان الأمر أسوأ مما كان متوقع، فشاهد حمداني صور حرق داعش للمكتبة على التلفاز، ولا يزال هذا المشهد محفورًا في ذهنه،فبتاريخ 3 فبراير/ شباط 2015، فجّر الجهاديون مبنى المكتبة، وأحرقوا رفوف الكتب بالبنزين.
وقال الحمداني "ما حدث كان بمثابة طعنة في قلبي، أفضّل أن أرى منزلي يحترق بدلًا من المكتبة، لقد كانت العمل الذي أفنيت فيه حياتي، كان لدينا أكثر من مليون مصدر، و30 ألف دورية، 7000 كتاب مرجعي، وقرآن يعود للقرن التاسع عشر، ونصوص تعود إلى ألف عام، وبعض هذه الأشياء لا يمكن استبدالها"، علمًا أنه تمكّن من إنقاذ 2000 مجلد فقط من رماد الحريق، ويضيف "لدينا قول مأثور وهو مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق تقرأ، وداعش بدأت الحرب على القراءة والتعليم، لم تكن هذه الطريقة العراقية."
إنشاء مكتبة مصغرة في كردستان
ودُمرت المكتبة التي تأسست في عام 1921، وهي رمزا لميلاد العراق الحديث، إذ تأسست في نفس العام، ووصفت "اليونسكو" ما حدث بأنه أكثر الأعمال تدميرًا في تاريخ البشرية، في حين أُجبر السيد الحمداني على اللجوء إلى كردستان العراق، حيث ساعد في إنشاء مكتب مؤقتة للطلاب المشردين من الموصل، في جامعة كركوك، فقد تحطمت الآمال في استعادة المكتبة، بعدما قصفها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في عام 2016، بحجة أن داعش تستقدمها مقرًا لها.
محاولة جمع الكتب مرة أخرى
وأصبحت المكتبة رمادًا وسط أرضية الجامعة، ورغم ذلك، بعد تحرير الموصل يتسارع الطلاب للعود إلى الجامعة، حيث التحق نحو 45 ألف طالب بها هذا العام الدراسي، ليؤكد الحمداني أن الدراسة الآن تعد تمردًا ضد داعش، فقد كانت شيئًا محظورًا وقت حكمها، فيما يحاول الحمداني بجانب زملائه إعادة بناء المكتبة، حيث ناشد الآلاف عبر مواقع التواصل الاجتماعي بجمع التبرعات؛ لإعادة بنائها.
وفي هذا السياق، قال علي البارودي، المحاضر في اللغة الإنجليزية، والذي ساعد في الحملة "من خلال الكتب يمكن أن نعطي أملًا للأجيال القادمة."، مضيفًا " علينا التوقف عن البكاء على شيء تم تدميره، وكذلك عن التفكير أننا ضحايا، يجب أن نبدأ في العمل"، وقد تواصل البارودي الذي كان طالبًا سابقًا للترجمة في جامعة مانشستر، مع الجامعة لطلب المساعدة في توفير كتب،
ومنذ ذلك الحين، حصل على 1500 كتاب من جامعة مانشستر، 3 الآلاف من جامعة بليموث، وكذلك مؤسسة سيمثسونيان في واشنطن، وعدة جهات مانحة أخرى، كما تبرع السكان المحليون بكتب كانوا قد أشتروها من قبل؛ لإعادة تجديد المكتبة، ويقول الحمداني "ممتنون للغاية لكل من منحنا كتاب، غمرنا سخاء الناس، حصلنا على حوالي 50 ألف كتاب، 20 ألف منهم ذو قيمة."
وبعد أكثر من عام من تحرير الموصل، كل ما تم إنجازه هو إزالة الألغام، ولا يزال هناك الكثير للقيام به، ولكن لا تدخل المكتبة من ضمن الأولويات، ويؤكد الحمداني أن الأمر ربما يستغرق عامين أو 10 أعوام عادة بناؤها، ولكن يوما ما ستعود هذه المكتبة.