بقلم : مصطفى الفقي
إننى ممن يكنون لشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب قدرًا كبيرًا من التوقير والاحترام، ولقد عرفته فى كل المواقع التى شغلها فى الجامعة والجامع وعلى منصة الإفتاء، وقد آمنت كذلك أن أستاذ الفلسفة الإسلامية الذى تتلمذ على يد علماء كبار أمثال الراحل محمود زقزوق الذى هو بدوره تلميذ الراحل الكبير د.محمدالبهى يملك بالضرورة الاستنارة التى يتمتع بها شيخنا والثقافة التى حازها فى موطنه مصر أو فى سفره للدولة الفرنسية طلبًا للعلم، وحرصًا على المعرفة ورغبة فى توسيع دائرة الاطلاع على أحوال الدنيا والدين، ولكنى لا أخفى قلقى مما يطلقون عليه اسم الديانة الإبراهيمية والتى باركها بابا الكاثوليك ولم يعترض عليها بشكل واضح الأزهر الشريف، ولكن لم يتحمس لها إمامه الأكبر، ولأننى لست أستاذًا فى فلسفة الأديان إلا أننى أزعم أن خلط الأوراق حول مضمون هذه الدعوة فى السنوات الأخيرة يفتح بابًا للتأويل الخاطئ والتفسير الذى يخفى أهدافًا سياسية ظهرت بعض نتائجها على الساحة العربية فى السنوات الأخيرة، ولقد شاهدت هذا الأسبوع فيلما تسجيليًا لمبشر دينى من أصولٍ مصرية يعيش فى بريطانيا حاليًا يطرح أفكارًا غريبة وجديدة أهمها أن نبى الإسلام محمدا صلى الله عليه وسلم هو الله نفسه! توحدت فيه كل معانى الدعوة وأسبابها، ولقد لاحظت أن صاحب هذه الأفكار شيعى الأصل وهو يتحدث عن الإسلام ظاهريًا بتوقير شديد، ولكنه يدس السم فى العسل ويوحى بغير ذلك، ولأننى أظن صادقًا أن الأزهر الشريف قلعة حمت الإسلام وتحميه ودافعت وتدافع عن مقاصد الشريعة وتحتمى أيضًا بها، فإن المسئولية تقع على عاتق ذلك الصرح الإسلامى السنى الكبير وتضع على كاهل إمامه الأكبر مسئولية أولى فى تأكيد الهوية الذاتية لكل من الأديان السماوية الثلاثة، على اعتبار أن خلط الأوراق وعملية الدمج الظاهر لا تؤدى إلى ترسيخ السلام الدولى ولكنها قد تؤدى إلى تفتيت مظاهر الوحدة وأواصر التفاهم، ولقد جرى استغلال قضية ما سمى الديانة الإبراهيمية التى يروج لها البعض لتحقيق أهدافٍ غامضة قد لا تبدأ بالماسونية التى تحتمى فى ضبابية باسم مهندس الكون الأعظم ولا تفرق بين المنطلقات الروحية للأديان السماوية الثلاثة وهى أديان ذات قداسة واحترام لدى الجميع إلا أن الانتقال بها ومحاولة الترويج لبعض الأطروحات السياسية التى تخدم الأهداف الصهيونية ولو من بعيد على نحو يثير شبهة يحتاج إلى جلاء ووضوح، نطلب من الأزهر الشريف كمؤسسة دينية كبرى هى الأعظم والأعرق فى العالم الإسلامى أن تقود مسيرة الإيضاح والتبصير عن منطلقات ما يسمى الديانة الإبراهيمية ودوافعها ونتائج المضى فيها، ولا نفترض سوء النية لدى الجميع، ولكننا نفترض وجود أهداف خفية لهذه الدعوى وارتباطها بالصراع العربى الإسرائيلى، خصوصًا فى ظل ما نشهده من مذابح غزة وجرائم الإبادة فى لبنان، وأرجو أن يفهم حديثى ببراءته ونقائه لمن يريد أن يتعلم ويمضى على درب علماء الأزهر العظام فى تاريخه الطويل، ومنهم إمامنا الحالى الذى يتميز بكرامة العلماء واستقلالية الآراء والبعد عن الهوى وتكريس الجهود للدعوة الإسلامية المخلصة والتى تصب فى النهاية فى خدمة البشرية والحفاظ على أطرها الدائمة، ويجب أن نشير هنا إلى أننا إذا كنّا لا نتحمس لتديين السياسة فإننا نرفض كذلك تسييس الأديان لأن لها قداستها التى تعلو إلى مرتبة الأوطان، ولا صراع بينهما إلا ما كان مفتعلاً أو مستهدفًا، ومصر ـ بحمد الله ـ كانت ولاتزال واحة الوسطية والاعتدال وموطن التسامح على مر العصور، فقد عرفت الأديان السماوية الثلاثة وهاهى المساجد والكنائس بل والمعابد أيضًا تزين أرجاءها بلا تفرقة أو تمييز، ولماذا نذهب بعيدًا فقد كان الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب وهو المرشح الحالى لمنصب الرئاسة أيضًا هو الذى يروج لفكرة الديانة الإبراهيمية هو وصهره (زوج ابنته) اليهودى الديانة، فتكريس الدعوة الإبراهيمية وخلطها بما كان يطلق عليه (صفقة القرن) للترويج لأفكار جديدة قد تسهم ونحن لا ندرى فى تصفية القضية الفلسطينية التى نرجو لها الحل قريبًا سياسيًا بعيدًا عن تدخلات الأديان وتصاريف الشرائع، ذلك أن مقاومة الاحتلال حق طبيعى ومشروع تحت المظلة السياسية للأمم المتحدة واحترام الشرعية الدولية، باعتبارها الموئل الذى يلوذ به البشر مهما اختلفت دياناتهم وتعددت عقائدهم وتنوعت أوطانهم .. تحية للعالم الجليل الإمام الأكبر أحمد الطيب الذى أكرر أنه أستاذ مرموق فى الفلسفة الإسلامية، لذلك يتعين عليه لا بحكم موقعه فحسب، وإنما بحكم علمه ودراسته إنارة الطريق حيث يمكن أن يطرح الأزهر الشريف رؤية شفافة لمثل هذه الدعاوى المعقدة التى تجسد نوعًا من الفكر الوافد على الساحة الدولية وتنذر بسحبٍ داكنة فى سماوات المنطقة العربية وتنظر إليها المساجد والكنائس بل وبعض المعابد أيضًا بريبة وقلق، هذه كلمات مخلصة لا أقصد منها إلا مزيدًا من العلم وشيئًا من التوضيح الصريح، بارك الله فى الأزهر الشريف وإمامه المحترم، والكنائس المصرية والعربية ذات الدور المرموق فى الدفاع عن القضية الفلسطينية بل وأصدقاء الحق والمدافعين عنه رغم صعوبة مواقفهم من أتباع الديانات الموسوية، فنحن جميعًا أشقاء فى الحياة رغم اختلاف مواقعنا الدينية التى لا يبدو بينها تعارض ويجب ألا يكون، فليعبد كل إنسان ربه بالطريقة التى يؤمن بها ويعتقد فيها، ولله الأمر من قبل ومن بعد.