الملك تشارلز الثالث

الملك تشارلز الثالث

الملك تشارلز الثالث

 صوت الإمارات -

الملك تشارلز الثالث

بقلم - مصطفى الفقي

تحفل كتابات الأدب الإنجليزى بإشارات متعددة للعصر الفيكتورى نسبة إلى الملكة فيكتوريا التى غطى حكمها شريحة كبيرة من القرن التاسع عشر، والتى ارتبط باسمها نماذج مختلفة من (الموديلات)، سواءً فى المبانى أو فى الأثاث، بل وفى تفصيل الملابس أيضًا، وظن الجميع أن طول مدة حكمها قد جعلها تتفوق على كل من جلسوا فى بلاط سان جيمس، لكن جاءت الملكة إليزابيث الثانية لتخترق السباق وتحقق زمنًا قياسيًا فى الحكم امتد لسبعين عامًا كاملة فى ظل اضطرابات دولية وانحسار للمستعمرات البريطانية، فكان حضور الملكة الشابة متوازيًا فى الخمسينيات والستينيات مع تجمع دول (الكومنولث)، حيث ظل التاج البريطانى على قمة السلطة- ولو شرفيًا- فى كندا وأستراليا وغيرهما من بقايا نفوذ الإمبراطورية التى كانت لا تغرب عنها الشمس، ولا شك أن الملكة إليزابيث الثانية قد تمتعت بقدر رفيع من الحكمة والصبر، خصوصًا أن العائلة الحاكمة تعرضت فى عصرها لرياح عاتية وعواصف شديدة، بدءًا من مشكلات شقيقتها الأميرة مارجريت وحبها الضائع للمصور الفوتوغرافى، مرورًا بالأزمة الكبرى المعروفة بمحنة الأميرة ديانا، زوجة الأمير تشارلز، ثم طليقته وهى أزمة كادت تعصف بالعرش البريطانى لأن تعاطف مئات الملايين مع الأميرة الراحلة وضع الملكة إليزابيث وزوجها الأمير فيليب، بل وابنها أيضًا، الملك الحالى تشارلز الثالث، فى وضع صعب، لأن الأميرة ديانا اكتسبت شعبية ضخمة بسبب تمردها على التقاليد الملكية البالية ورغبتها فى تجديد روح العرش البريطانى وإكساب التاج شعبية تحميه بدلًا من المراسم العتيقة التى تحتويه، وكان مصرعها فى حادث غامض، بأحد أنفاق مدينة باريس، قمة للمأساة فى التاريخ الحديث للأسرة الحاكمة فى بريطانيا، ويكفى أن نتذكر أن مصرع ديانا تزامن مع رحيل الأم تريزا وغطى عليه مثلما غطت محاولة اغتيال سعد باشا زغلول على رحيل أديب العاطفة مصطفى لطفى المنفلوطى!،

وقال شوقى يومها عبارته الشهيرة (اخترت يوم الحشر يوم وداع)، وقد عرفت العائلة الحاكمة فى بريطانيا مشكلات متعاقبة نتذكر منها عم الملكة إليزابيث، الملك إدوارد الثامن، الذى تخلى عن العرش فى خطاب إذاعى مؤثر لشعبه، معتذرًا عن عدم الاستمرار فى السلطة، متنازلًا عن العرش وفاءً لحبه لسيدة أمريكية مطلقة مرتين، أحبها قلبه وترك العرش من أجلها، وعاش معها فى سلام معظم سنوات عمرهما فى مدينة باريس، حتى لحقا بالرفيق الأعلى فى هدوء، وترددت أقوال حول ذلك الملك الذى تخلى عن العرش من أنه كان شديد الإعجاب بالنازية، وعلى تواصل مستمر مع أدولف هتلر، متعاطفًا مع سياساته مؤيدًا له فى حروبه، وكانت آخر فضائح العرش البريطانى هى تلك المتعلقة بالأمير أندرو ابن الملكة الراحلة وشقيق الملك الجديد الذى اتهم فى قضية اغتصاب قاصر، وثبتت عليه التهمة، وكادت الملكة تحرمه من لقب الإمارة قبل رحيلها، فضلًا عن أصغر ابنى الملك تشارلز الثالث، وهو الأمير هارى، الذى تزوج على غير إرادة الأسرة، حيث خرجت به زوجته من نطاق العائلة المالكة لكى يعيش معها خارج بريطانيا، وفى كل هذه الأزمات كانت الملكة قوية صامدة حكيمة لا تتحدث كثيرًا، لكنها تحرك الأمور بعبقرية الهدوء التى اتصفت بها.. ولى مع الملك تشارلز الثالث لقاءات ثلاثة، كان أولها فى دعوة عشاء صغيرة بمنزل السفير البريطانى فى مطلع هذا القرن عندما كان الأمير زائرًا لمصر وحده فى مناسبة استطلاعية تعود عليها أفراد الأسرة المالكة لتفقد الدول التى كان لها ارتباط خاص بالمملكة المتحدة، وعلى الأخص الدول الأعضاء فى الكومنولث، وفى ذلك العشاء ارتدى الأمير الزى الأسكتلندى وبدا هادئًا مهذبًا قليل الكلام، وفى المرة الثانية استقبلته عام 2006 عند افتتاح الجامعة البريطانية فى مصر، وكنت أول رئيس لها وصحبته فى تلك الزيارة زوجته السيدة كاميلا، صاحبة قصة الحب الكبرى فى حياته، وكان الأمير يومها شديد التعلق بزوجته، حريصًا على راحتها بشكل ملحوظ، وسألته يومها- كما ذكرت من قبل- عن سبب اهتمامه بدراسة الدين الإسلامى وأحوال المسلمين عمومًا، فقال لى الملك الحالى ببساطة إن السبب بدأ من إعجابه بالمآذن والقباب وطرز القصور الإسلامية على نحو جعله متحمسًا لمعرفة المزيد عن ذلك الدين الذى اتسمت أحاديث الملك الجديد ومحاضراته عنه، سواءً فى جامعة أكسفورد أو فى الأزهر الشريف أو غيرهما، بالفهم العميق لفلسفة الإسلام، إذ يحترم الملك تشارلز الثالث حق الاختلاف مع اعتراضه على الحملات المعادية لذلك الدين السماوى، ثم كان اللقاء الثالث فى شهر نوفمبر عام 2021 عندما استقبلته فى مكتبة الإسكندرية هو والسيدة قرينته، وكان اللقاء، الذى لم يزد عن ساعة ونصف الساعة، مثاليًا ورائعًا وترك لديه انطباعًا عميقًا، حتى إنه وجه لى دعوة لإلقاء محاضرة فى الجمعية الخيرية التى أنشأها فى العاصمة البريطانية، وهى ذات أهداف ثقافية وإنسانية.. لقد رحلت الملكة إليزابيث وطوت عصرًا بكامله، وها هو الملك تشارلز الثالث يبدأ حكمه بعد طول انتظار آملًا أن يحافظ على تقاليد ذلك العرش الأشهر فى العالم، وأن يمضى على طريق والدته بالحكمة والرصانة، والهدوء الذى مضت به الملكة حتى فى لحظات الرحيل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملك تشارلز الثالث الملك تشارلز الثالث



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates