اعترافات ومراجعات 55 يوم رحيل الزعيم

اعترافات ومراجعات (55).. يوم رحيل الزعيم

اعترافات ومراجعات (55).. يوم رحيل الزعيم

 صوت الإمارات -

اعترافات ومراجعات 55 يوم رحيل الزعيم

مصطفى الفقي
بقلم - مصطفى الفقي

أتذكر ذلك اليوم جيدًا، إنه الثامن والعشرون من سبتمبر عام 1970، وكنت قد احتفلت بزواجى قبل ذلك بعشرة أيام فقط، واتصل بى فى ذلك المساء الزميل والصديق الدكتور إبراهيم بدوى الشيخ، الذى كان سكرتيرًا ثالثًا بوزارة الخارجية، يسبقنى بعدة سنوات، فقد كنت فى ذلك الوقت ملحقًا دبلوماسيًا أمضيت فى وزارة الخارجية السنوات الأربع الأولى، وكان د. إبراهيم الشيخ قد تزوج فى نفس التوقيت تقريبًا، وقال لى ذات مساء إننى أدعوك أنت والسيدة قرينتك لعشاء مشترك كصديقين حديثى الزواج معنا.

وبالفعل ذهبنا إلى مكان فى حى الزمالك كان يسمى سولت آند بيبر (ملح وفلفل) على قمة الجزيرة وعلى ضفاف النهر الخالد، وذهبنا يومها بالفعل وانتظرنا أكثر من ساعة فلا صوت لموسيقى ولا استعداد لعشاء، حتى اندهش الحاضرون وبدأوا ينادون إدارة المكان لكى نعرف ماذا يجرى؟ وبعد ساعة تقريبًا ظهر مدير المطعم، وكان على ما أتذكر رجلًا بدينًا وقال بصوت مرتفع: (يا حضرات البرنامج تم إلغاؤه الليلة فلا موسيقى ولا عشاء لأن رئيسنا قد مات!).

وتوهمت على الفور أنه يتحدث عن «الشيف» فى المطبخ أو صاحب المكان أو مديره، فقلت له: أنتم تعلمون ذلك فلماذا لم تبلغونا، إننى وصديقى وزوجتينا جئنا من مصر الجديدة للزمالك ومن العبث أن يتم الإلغاء بهذه الصورة، فإذا به يفاجئنا بالرد: (وكيف لنا أن نعرف يا أستاذ، إن السيد أنور السادات، نائب رئيس الجمهورية، قد أعلن الخبر فقط منذ نصف ساعة تقريبًا).

فأدركنا حينها أن المقصود بالرئيس هو الزعيم صاحب الكاريزما الطاغية والاسم الكبير جمال عبدالناصر، فتحولت المشاعر بين صياح وبكاء وشعور لم أَرَ له مثيلًا من قبل، وانصرفنا نحن الأربعة نبحث عن سيارة تاكسى تنقلنا إلى مصر الجديدة، لنجد أن الحياة تكاد تكون متوقفة تمامًا، ورأيت بعينى بعض تصرفات الطبقات الفقيرة فى الشارع ممن كانوا يهيلون التراب على رؤوسهم والنحيب بصوت مرتفع.

فقد اكتشفت أن ظاهرة الحزن على عبدالناصر دخلت فى وقتها ضمن سجلات الأحداث الفريدة فى تاريخ ردود الفعل على رحيل شخصية بحجم تلك الكاريزما التى سيطرت على منطقة الشرق الأوسط والعالم العربى، وكان لها تأثيرها المباشر فى أركان الدنيا الأربعة مثلما كان الأمر بالنسبة لذلك الزعيم، ويومها كتب مُنظِّر الثورة الصحفى الأول الأستاذ محمد حسنين هيكل واصفًا رد الفعل على القطع البحرية للأسطول السادس، التى كانت موجودة فى البحر الأبيض المتوسط، بقوله: (لقد طأطأت المدافع رؤوسها فى انحناءة تاريخية احترامًا لصعود روح الزعيم الكبير).

وتحدد يوم تشييع الجنازة من ميدان التحرير، حيث يخرج الجثمان من مبنى مجلس قيادة الثورة على ضفاف النيل، وقد رأينا أنا ومجموعة من زملائى شباب الدبلوماسيين أن أفضل مكان نراقب منه الموكب المهيب للجنازة الضخمة هو أن نقف على السطح العلوى لمبنى وزارة الخارجية فى ميدان التحرير، وفعلنا ذلك، فكانت الساحة مكشوفة أمامنا تمامًا، حيث طوفان من البشر لم نَرَ له مثيلًا ومشاعر فياضة وانفعالات جارفة، ومازلت أتذكر أن السيد حسين الشافعى، أحد رفاق عبدالناصر فى مجلس قيادة الثورة.

كان شريكًا فى حمل النعش على امتداد المسيرة كلها تكريمًا للرجل الذى غيَّر معالم المنطقة وحرك التاريخ فى اتجاه لم يشهده من قبل، وأتذكر أيضًا أن الرؤساء والملوك الذين حضروا الجنازة قد انتقلوا بقوارب فى نهر النيل من مجلس قيادة الثورة إلى ميدان التحرير، وكان منهم الإمبراطور هيلاسيلاسى والملك حسين، وغيرهما من قيادات العالم العربى بل العالم كله، وسوف نظل نتذكر تلك اللحظات بالكثير من الإجلال والاحترام.

ولقد رأيت عددًا من ضباط الحراسة الخاصة بالرئيس الراحل يحاولون تطويق النجل الأصغر للزعيم، السيد عبدالحكيم عبدالناصر، الذى كان فى حالة حزنٍ عميق وبكاء مستمر مثل الأغلب الأعم من أبناء الشعب المصرى والأمة العربية.. رحم الله زعيم العدالة الاجتماعية، والتحرر الوطنى، والنضال من أجل الإنسان الحر فى كل مكان!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 55 يوم رحيل الزعيم اعترافات ومراجعات 55 يوم رحيل الزعيم



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 02:36 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 صوت الإمارات - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 02:18 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

الخليفي يحسم موقف باريس سان جرمان من ضم نجم ليفربول صلاح
 صوت الإمارات - الخليفي يحسم موقف باريس سان جرمان من ضم نجم ليفربول صلاح

GMT 00:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 صوت الإمارات - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 09:15 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 19:12 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 20:20 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 11:21 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 10:58 2012 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"البرلمان الأوروبي" يمنع قطع زعانف سمك القرش في البحر

GMT 13:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن راشد يهنئ المواطنين هاتفيًا بـ"اليوم الوطني"

GMT 15:55 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

منزل غريب في نيوزيلندا يصلح للشخصيات الخيالية

GMT 19:23 2017 الأحد ,06 آب / أغسطس

خالد باوزير يعود إلى تدريبات الوحدة

GMT 12:20 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

التليفزيون المصرى يعرض أول مسلسل صيني في الشرق الأوسط

GMT 21:50 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد للطيران تعلق رحلات أبوظبي " دالاس فورت وورث " في 2018

GMT 07:01 2017 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

شركة يابانية تكشف عن أسرع سيارة في العالم

GMT 22:12 2021 الأحد ,10 تشرين الأول / أكتوبر

وضعيات "يوغا" تقلل من تساقط الشعر

GMT 08:44 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

فساتين راقية بلمسات شرقية لها سحرها الخاص
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates