عماد الدين أديب
لأننا لا نقف عند كثير من الأمور التي تحتاج إلى التأمل والتفكر وحتى الشكر، بحكم أننا لم نكن مشاركين في اختراعها، ولا فاعلين في ابتكارها، إنما متلقين ومستهلكين، ولا يعنينا أن نكون مطورين فيها بقدر أن نحسب متطورين في اقتنائها، هذا حالنا كمجتمعات عربية حيال مستجدات العصر التي أصبحت كلها من ضروريات الحياة وأدواتها.
هكذا وقفت محتاراً بعدما أرسلت رسالة هاتفية إلى أميركا، ورد عليّ المتلقي برسالة من هناك في دقيقة واحدة، فجرّني التأمل إلى أن الإنسان يمكن أن يكون أكثر سرعة من خلال الاتصال الهاتفي، وأكثر سرعة، من خلال «الدردشة عبر الإنترنت»، حيث يمكنه أن يتخاطر مع أربعة أشخاص من جهات الأرض الأربع في اللحظة نفسها دون تعقيد وتوصيل وأسلاك.
ظلت مسألة الرسالة شيئاً مهماً، كيف كان الإنسان يكابد في صياغة ديباجتها، منتقياً أوراقها وأظرفها وأحبارها وأختامها وخطوطها المنمقة والمختارة، بدءاً من الرسالة الشخصية إلى الرسائل الملوكية إلى الرسائل السرية، كانت نقلاً بواسطة خيول ودواب مبتورة الذيل لكي تميز دواب البريد عن غيرها، وكانت تصل بعد شق الأنفس وعناء ودعم لوجستي لحامل البريد ودواب البريد، ثم جاء البريد الملكي والسريع نوعاً ما بقياس ذلك الزمن، ثم دخلنا مرحلة جديدة، بعد ابتكار بريطانيا مسألة طابع البريد التي اعتقدت أنه سيكون خاصاً بها وحدها، لذا لم تكتب اسمها عليه، وأصبح فيما بعد تقليداً عالمياً.
كانت الرسالة تقطع من مسافات وتنقلات محملة في أكياس، عابرة براً وبحراً وجواً، ومن يد إلى يد حتى تصل ليد ساعي البريد ليسلمها ليد صاحبها، هذه الدورة الطويلة والجهد الخرافي والانتظار الممل والتكاليف الباهضة، ثم الرد عليها برسالة جديدة، والوصول عبر تلك القنوات إلى المرسل ثانية، يختصرها الإنسان اليوم برسالة هاتفية، أو عبر الإنترنت في دقيقة واحدة، ويتلقى ردها في دقيقة واحدة، مهما بعدت المسافات، فلو كانت ثورة الاتصالات الموجودة اليوم في زمن الإسكندر، لربما لم تهلك جيوشه، ولم تضطره الحياة لبلوغ أماكن بعيدة، ولا شن حروباً على أقوام يستطيعون أن يتفاهموا معه بعيداً عن لغة السلاح، ولا جعل الأمراض تفتك به وبالجند، ولو عاش إنسان العصر الحديث في زمن جده الأول في العصر الحجري، فسيموت من لحظته، إما من الخوف لما يمشي جنبه من حيوانات خرافية، وإما لأنه غير قادر على تحمل أعباء الحياة الحجرية، ولا إيقاعها المميت!