فى الرابع من يناير عام 1955، ولدت كأول طفل لوالدين محبين تفانيا فى نشأتى وحاولا غرس كل مبادئ التسامح الدينى والإنسانى.
ولعل أكثر ما حرص عليه والدى -رحمة الله عليه- أن يجعلنى أنتهج الموضوعية فى حكمى على الأشياء.
علمنى والدى أن أؤمن بالتنافس مع زملاء الدراسة، ولكن دون كراهية أو أحقاد شخصية.
علمنى والدى أن أؤمن بحق الاختلاف مع الآخر ولكن مع احترامه وعدم الحط من أفكاره.
علمنى والدى أن الدين لله والوطن للجميع.
وعلمنى والدى أن مصر ليست فندقاً لكنها وطن، وهى البداية والنهاية، وهى الحلم والهدف.
وتعلمت أن مصر إذا كانت دولة فقيرة الدخل فهى شديدة الثراء فى قدراتها الكامنة.
وتعلمت أن كل شىء، وأعنى أى شىء، قابل للنقاش، وأن أى إنسان، وأقصد بذلك أى إنسان، قابل للمساءلة.
وتعلمت أن أسوأ أنواع الاحتكارات هو ادعاء احتكار الصواب، وأن كل إنسان قابل للخطأ وأننى يجب أن أبدأ بنفسى فى الاعتراف بأخطائى والاعتذار عنها وتصحيح مواقفى دون خجل أو تلاعب على الحقيقة.
وتعلمت أن أصعب القرارات هو أن يسعى الإنسان للحفاظ على مصداقيته.
وتعلمت أن أكبر التحديات هو أن يكون الإنسان إنساناً بمعنى الكلمة.
وتعلمت أن الله جل جلاله هو الضمير المطلق والأعظم فى هذا الكون وأن الإنسان الصالح هو الساعى دائماً إلى التوحد مع الخالق.
وتعلمت أن الخوف الحقيقى الذى يجب أن نقدسه هو الخوف من الخالق وليس من المخلوق.
وتعلمت إن أحببت إنساناً أصدقه القول حتى لو أدى ذلك إلى أن أنقده.
وتعلمت أن البشر لا ينقسمون إلى خير مطلق أو شر مطلق، لأن المطلق الوحيد هو الله وحده لا شريك له.
وتعلمت أن المال هو مال الله ونحن مستخلفون فيه فى الأرض، و«أن بئس العبد عبد الدينار».
وتعلمت أن أفرح لغيرى مثلما أفرح لنفسى، وألا أقدس امتلاك الأشياء حتى لا تمتلكنى.
كثيراً ما نجحت فى أن أكون ذلك الإنسان، وكثيراً -أيضاً- ما أخفقت وفشلت.
وأهم ما تعلمته ألا أتوقع أى شىء من أى إنسان حتى لا أصاب بخيبة أمل.
أملى كان وما زال فى الله.
ودعائى هو دعاء سيدنا نوح عليه السلام: «أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ».
والحمد لله.
"الوطن"