لم يفهم البعض مغزى كلام الزميل الأستاذ عمرو أديب حول مسألة العالقين المصريين فى الخارج.
كلام عمرو أديب فى برنامج «الحكاية»، الذى يعرض على قناة «إم بى سى مصر» أثار جدلاً مزدوجاً، كل منهما يعكس «فهماً غاضباً» لما قال.
الغضب الأول برىء، وغاضب لأنه فهم كلام الزميل على أن من يشعر بأن إجراءات ومستوى رعاية العالقين لا يناسبه، من الأفضل له ألا يأتى الآن، على أن ذلك كلام غير مقبول وكأنه يقول له: «لو مُش عاجبك ماتجيش»، وبالتالى يفهم من ذلك وكأن جهة ما ترسل عبر الإعلامى الشهير رسالة لا تعطى الحق للمصرى فى أن يمارس حقه الطبيعى والدستورى فى العودة إلى أرض وطنه وقتما شاء.
الفهم الثانى: شرير وغاضب، لأنه حاول تفسير هذا الكلام على أنه نموذج لامتهان «الإعلام والدولة فى مصر لإبقاء الشعب المصرى مغلوباً على أمره»، حسب ادعائهم.
وقام إعلام قطر وتركيا على كل وسائله المرئية والمسموعة والمكتوبة وعلى وسائل التواصل الاجتماعى بفتح النيران الثقيلة على الزميل، وعلى إجراءات الحكومة تمهيداً لتأجيج مشاعر الرأى العام فى هذا الوقت الحساس، نتيجة الإجراءات الاحترازية للحجر والعزل وتوقف النشاط الاجتماعى، ويكفى لإدراك سوء نية الإعلام المضاد الشرير محاولة استغلال موضوع نجل الزميل عمرو والزج به بشكل شرير فى ملف الموضوع.
فكأنها فرصة تاريخية لتسخين الناس ضد حكومتهم وبلادهم تحت دعوى «فشل الدولة، وامتهانها المتعمّد لرعاية مواطنيها فى الخارج».
بالطبع لم يتذكر مخلوق واحد من هؤلاء الآتى:
1 - أسطول الطائرات الذى نقل العالقين منذ 8 أسابيع من الصين، والولايات المتحدة وكندا، وفرنسا، وبريطانيا، ولبنان، والإمارات، والسعودية، والكويت، وإيطاليا، وبلجيكا وأكثر من 20 دولة.
2 - لم يذكر أحد أن «تحيا مصر» تطوعت بتكاليف نقل وإعاشة غير القادرين.
3 - لم يذكر الجيش الأبيض من الأطباء والممرضين الذين دفع بعضهم حياته ثمن رعاية المصابين.
4 - لم يُذكر توفير الدولة أكثر من 60 مليار جنيه كدفعة أولى لإجراءات الرعاية الصحية وتطويرها وعمل مساعدات اجتماعية للطبقات والشرائح المتضرّرة.
5 - لم تُذكر إجراءات التخفيف عن كاهل المواطنين فى شئون تأجيل بعض الرسوم والضرائب والفوائد والغرامات لجهات حكومية.
6 - لم يذكر قيام جيوش وزارة الصحة والإسعاف والقوات المسلحة والشرطة بعمليات عزل الأماكن المصابة وتعقيم الشوارع والميادين والقرى المزدحمة والمكدسة بالسكان.
7 - لم يذكر قيام الدولة بمضاعفة مكافآت أطباء الامتياز بنسبة أكثر من مائة فى المائة لتشجيعهم ودعمهم فى جهود مكافحة الفيروس.
لم يتم ذكر ذلك فى الوقت الذى يقوم فيه أنصار هؤلاء بتشجيع الإرهاب التكفيرى فى سيناء على سفك دماء أبناء مصر الأبرار فى زمن الوباء وفى بداية شهر رمضان الكريم.
ما أراد الزميل عمرو أديب أن يقوله وكرره عدة مرات أن «مصر ليست دولة نفطية أو دولة ذات إمكانيات استثنائية فى الرعاية الصحية، بل إن الصحة والتعليم هما مركزا الضعف الأساسيان فى الدولة المصرية منذ 70 عاماً».
ولم يعارض أحد كل ما فعلته مصر بلا حدود، رغم إمكانياتها المحدودة ومواردها التى تكاد تكفيها لمواجهة متطلبات الحياة وتلبية مشروعات الإصلاح الاقتصادى الطموحة.
هل مصر أكثر ثراء من الولايات المتحدة؟ بالطبع لا، ورغم ذلك فإن آلاف المصابين لا يجدون أماكن لعلاجهم وحجزهم إلا فى خيام نصبتها وحدات الجيش والحرس الوطنى الأمريكى فى الحدائق العامة وملاعب الكرة وقاعات المؤتمرات الكبرى.
هل مصر أكثر ثراء من السعودية؟ بالطبع لا، لكن تحت ضغط انخفاض أسعار النفط وتكاليف الخدمات الكريمة التى قامت بها الدولة، اضطرت الحكومة لأن ترفع قيمة الضريبة المضاعفة من 5٪ إلى 15، وتلقى الكثير من البدلات فى الأجور، وهو ما لم تقم به الإدارة فى مصر. وحتى لا يفهمنى أحد بشكل خاطئ، أعود أؤكد أن من حق المواطن، أى مواطن، أن يكون محل رعاية دولته، وأن يعامل بأفضل معاملة كريمة ممكنة توفرها الظروف والإمكانيات.
ومن منظور الحرية والمواطنة، يحق للمواطن أن يعبر عن رأيه وأن يشكو من أى تقصير فى طبيعة أو نوعية الرعاية أو الخدمات المقدمة له.
لكن حينما تمارس هذا الحق الطبيعى والإنسانى والمطلق الذى لا أنازع فيه نقول 3 أمور:
1 - أن ندرك أن التقييم لأى عمل فردى أو حكومى يجب أن يضع فى الاعتبار الإمكانيات والموارد الحقيقية المتاحة مقابل حجم وتكاليف المشكلة المطلوب حلها.
2 - ألا يستخدم كلام المواطن ضمن سياق الحملة الشريرة التى تتبناها القوى المعادية لمصر بهدف إثارة الفتنة، بحيث لا يكون كلامنا الصادق البرىء مادة خام يتم استخدامها لتحطيم مشروع الدولة الوطنية المصرية.
بمعنى قل ما شئت، طالما أنك مدرك تماماً لحجم المشكلة وطبيعة الموارد المتاحة، والجهود التى بُذلت بالفعل.
3 - أن تدرك أن هناك كلفة استثنائية ضاغطة على الاقتصاد المصرى زادت نسبة العجز العام للموازنة العامة مثلما تأثر كل اقتصاد وطنى بكل دول العالم من أكبر لأصغر دولة.
ولا يخطئ أى إنسان إذا اعتقد أن العالم ومصر قد وجدت حلاً ناجحاً للتعامل مع الوباء.
ومنذ ساعات، وافق صندوق النقد الدولى على طلب مصر العاجل لقرض بقيمة 2٫7 مليار دولار أمريكى لمواجهة تكاليف وآثار فيروس كورونا على الاقتصاد والمواطنين.
ومن السهل أن نقول لماذا نرسل عدداً محدوداً من الطائرات لاستقدام العالقين، بدلاً من أن نرسل كل الأسطول الجوى والأسطول البحرى المدنى لنقل عشرات الآلاف إلى الوطن؟
سؤال سهل الطرح، ولكن فى الحقيقة المشكلة ليست فى نقل هؤلاء، ولكن فى القدرة الاستيعابية للمستشفيات والأماكن المؤهلة والكوادر الطبية اللازمة، كماً وكيفاً للتعامل مع هذه الأعداد، لذلك فإن خطة النقل للوطن ترتبط بتوفير الأماكن والإمكانيات لاستيعاب دفعات جديدة، لذلك فإن قرار تحديد أعداد العائدين فى كل بلد يخضع لتقدير صحى واجتماعى وأمنى واقتصادى معاً.
وبالتأكيد ليس مطلوباً أن يعود مواطن ولا يجد رعاية أو غرفة عزل أو إمكانات طبية كريمة.
وبالتأكيد أيضاً يجب على كل مواطن يأتى من دولة أخرى أن يدرك أنه مثله مثل أى مواطن آخر فى العالم قابل -لا قدر الله- أن يكون حاملاً للفيروس دون أن يعلم، لذلك قد يكون مصدراً للخطر.
لا فرق بين مصرى فى الداخل، وآخر فى الخارج، كلهم أبناء هذا الوطن الصبور.
لذلك نقول لكل العالقين: ندرك محنتكم، ولكن نرجوكم أيضاً أدركوا محنتنا وإمكانياتنا.
الأكثر أهمية، نرجوكم لا تجعلوا أحداً يستغل معاناتكم وقوداً لإشعال النار فى البلاد والعباد.
صبراً يا أحباءنا الفرج قريب والطائرات آتية بعد ساعات وأيام معدودة بإذن الله.
أهلاً بكم فى وطنكم.