هل واشنطن لديها مشكلة مع المشير حفتر أم مع الوجود الروسى فى ليبيا، وقررت أن تعتمد سياسة دعم حكومة الوفاق، وبالتالى تساند الوجود العسكرى التركى المموَّل قطرياً؟
الصراع الحالى فى ليبيا يبدو، للوهلة الأولى، واضح الاستقطاب، لكن حينما تدخل فى التفاصيل الدقيقة تكتشف تعقيداته الكثيرة، وأهمها الغدر السياسى من الكل ضد الكل ونقل المدفع الرشاش بسهولة من فريق لآخر.
الذى أثار موقف واشنطن من حفتر هو تصريحات «ديفيد شينكر»، مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشئون الشرق الأوسط، الأخيرة حول الأوضاع فى ليبيا، والتى شدد فيها على النقاط التالية:
١- اتهام الوجود الروسى فى ليبيا بأنه يساهم بقوة فى زعزعة الاستقرار والأمن فى البلاد.
٢- قلق واشنطن الواضح من قيام موسكو بنشر قوات لها بأعداد كبيرة ترتدى الزى العسكرى الرسمى.
٣- فسر شينكر الوجود العسكرى الروسى القوى فى ليبيا بأنه سعى من موسكو «لمحاصرة الحد الجنوبى من حلف الأطلنطى» على حد وصفه.
٤- نُسب إلى مصادر فى وزارة الخارجية قريبة من شينكر أن من سموهم «المرتزقة الروس» تسببوا فى إسقاط طائرة أمريكية خلال الأسبوع الماضى فوق ليبيا، رغم اعتذار مصادر تابعة لحفتر عن إسقاطها بالخطأ.
وتأتى تصريحات «شينكر» هذه بعد إعلان حفتر إسقاطه لاتفاق الصخيرات مع جبهة الوفاق وبدء تعامله منفرداً، لاغياً دور السراج.
كلام شينكر يتجاهل ٣ أمور شكلية وموضوعية:
١- أن حفتر هو مواطن مزدوج الجنسية (ليبى - أمريكى) يحمل هو وأبناؤه وابنته المقيمة فى فرجينيا الجنسية الأمريكية بعدما أقام فى ولاية فرجينيا منذ العام ١٩٩٠ قرابة عقدين من الزمن.
٢- أن وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات لديهما خطوط اتصالات مفتوحة بشكل نشط مع حفتر منذ العام ٢٠١٣، كما أنها أعلنت رسمياً فى نوفمبر ٢٠١٨ «أنها على علاقة حوار مستمر» معه ومع اثنين من أبنائه يساعدانه فى إدارة الصراع.
٣- رغم نبرة الاحتجاج القوية التى ظهرت فى كلام «شينكر» حول الوجود الأجنبى الروسى، والدعم الكبير الذى يتلقاه جيش حفتر بمؤازرة خبراء روس وما يُعرف بميليشيات المرتزقة الروس، ومع تساؤل شينكر حول طبيعة علاقة حفتر بنظام وجيش بشار الأسد، لم يلمح شينكر بحرف واحد، من قريب أو بعيد، عن إرسال تركيا لقرابة ٨ آلاف إرهابى تكفيري سورى وتسهيل نقلهم من سوريا إلى تركيا ثم نقلهم بحراً وجواً إلى ساحات المعارك حول طرابلس.
ولم يشر شينكر، من قريب أو بعيد، إلى الجسر الجوى العسكرى التركى، ولا إلى خبراء إدارة المعارك الأتراك، ولا إلى القاعدة التركية قرب طرابلس، ولا إلى الطائرات التركية المسيَّرة، ولا أسراب «إف ١٦» المقاتلة.
ويبدو من حوار شينكر أن مثلث «حفتر، روسيا، سوريا الأسد» هو معسكر مضاد للمصالح الأمريكية فى ليبيا.
والسلوك الأمريكى ليس مفاجئاً، فهناك تصريح رسمى علنى لديفيد شينكر أمام جلسة استماع فى الكونجرس الأمريكى حول ليبيا قال فيها بالحرف الواحد: «إن التدخل التركى فى ليبيا أبطأ من تقدم قوات حفتر نحو طرابلس، مما يمهد الطريق لوضع أفضل للتفاوض» على حد وصفه.
كان ذلك التصريح منذ خمسة أشهر، لكننا لم نتوقف أمامه طويلاً!!
الاقتراب الأمريكى من ليبيا يتم بحذر شديد عقب واقعة اغتيال السفير الأمريكى وأعضاء من السفارة الأمريكية فى ليبيا التى فتحت أبواب جهنم على وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون وظلت تطاردها حتى الآن.
ويبدو أن زيارة حفتر إلى واشنطن ولقاءاته هناك، وبالذات مع فيكتوريا كوتس، نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى، فى نوفمبر من العام الماضى، أدت إلى تفاهمات لم يلتزم بها الطرفان.
لم يلتزم حفتر بمبدأ الحوار حينما أعلن عمليته العسكرية لتحرير طرابلس من ميليشيات الوفاق.
ووقفت واشنطن موقف الرافض لأى حسم عسكرى يؤدى إلى منتصر ومهزوم على الساحة الليبية، لذلك رحبت بما سمته «التدخل التركى».
أزمة حفتر أنه يتعامل مع إدارة أمريكية بلا استراتيجية واضحة ومكتملة حول الشرق الأوسط، وتزداد الأزمة لأن المسئول عن إدارة الملف، وهو «ديفيد شينكر»، له تاريخ واضح فى الإعجاب المفرط بإسرائيل وقطر وتركيا، ولديه موقف عدائى واضح ضد روسيا كدور عالمى، ويُعتبر من كبار الصقور المتشددين الداعمين للتصعيد ضد السياسة الروسية فى الشرق الأوسط.
وتتابع واشنطن مبدئياً بشكل دقيق التطورات السياسية ومسرح العمليات الليبى من خلال نقطة متابعة نشطة فى تونس.
هل تخلت الولايات المتحدة عن صديقها السابق خليفة حفتر أم تضغط عليه لفك ارتباطه مع النفوذ الروسى؟
ويأتى سؤال آخر: هل الموقف الأمريكى الأخير لا يتعلق بالتخلى عن حفتر أو مواجهة الروس، ولكنه رهان صريح وواضح من واشنطن على تركيا وقطر؟