«المحاصصة الطائفية لعن الله من أيقظها»

«المحاصصة الطائفية لعن الله من أيقظها»!

«المحاصصة الطائفية لعن الله من أيقظها»!

 صوت الإمارات -

«المحاصصة الطائفية لعن الله من أيقظها»

عماد الدين أديب
بقلم - عماد الدين أديب

يعتقد بعض الساسة فى الدول ذات الأقليات والطوائف والأعراق المختلفة أن أفضل وسيلة للتمثيل المناسب لهذه القوى، هو نظام المحاصصة.

وتقوم المحاصصة الطائفية على تعريف المواطنين حسب انتمائهم الإثنى وعددهم فى الوطن، ويتم تحديد حصتهم فى وظائف الدولة الوطنية بناء على حصتهم فى تعداد السكان، وهو شكل من أشكال الحكم تم تصميمه بهدف حماية حصص الأقليات إلا أنه أسىء استخدامه فى تجربتى كل من العراق ولبنان، اللتين تم فيهما تكريس الطائفية بشكل مقيت أدى إلى ضياع الولاء الوطنى وسيادة الطائفة على الوطن، مما جعل الدولة دويلات متنافرة قابلة للانقسام والتقسيم.

لدينا فى عالمنا العربى تجربتان كل منهما أسوأ من الأخرى فى نظام «الكوتة السياسية» أو المحاصصة، وهما لبنان والعراق.

وكل من النظامين يعانى بشدة من هذا النظام اللعين الذى يعتقد من أطلقه أن فيه تمثيلاً عادلاً لكل القوى، كل حسب تعداده وتأثيره ونفوذه المحلى والإقليمى والدولى.

فى لبنان تحولت المحاصصة على المقاعد الرئيسية فى مراكز الحكم (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، الحكومة، دوائر انتخابات البرلمان، الانتخابات المحلية، التعيينات فى المناصب الحكومية، الجيش والشرطة والمرافق العامة) إلى مسألة «تكسير عظام» بين القوى السياسية الطائفية بحيث تحدث معارك وحرب ضروس حول كل منصب فى الدولة.

أصبح المقياس ليس الأفضلية ولكن الطائفية.

وبدلاً من أن يحقق نظام المحاصصة العدالة بين الطوائف أصبح يزكى نار الطائفية!

الصراع على المناصب لم يعد حرصاً على النفوذ السياسى، ولكن أصبح محاولة الاستيلاء على أكبر حصة من كعكة الفساد الذى يعتبر أن المال العام هو مشاع له.

كل شىء فى لبنان محاصصة: (فساد شركات الهاتف، امتيازات الموانئ والمرافئ، الجمارك، شركات القمامة، تراخيص المصارف، الكسارات، تقسيم أراضى البناء والأراضى والأحراش الزراعية، شركات الأسمنت، الصحف، محطات التليفزيون، المستشفيات، المطاعم، حتى الملاهى الليلية)، كلها تقسيمات طائفية.

لذلك تجد ابن الطائفة «كذا» يولد فى مستشفى الطائفة، ويدرس فى مدرسة الطائفة، ويدخل جامعة الطائفة، ويتم توظيفه بواسطة زعيم الطائفة، ويتزوج من نفس الطائفة، ويسكن فى منطقة الطائفة ويدخل أولاده مدارس الطائفة، ويعالج فى مستشفى الطائفة ويموت ويدفن فى مقابر الطائفة!

وكثيراً ما نسمع عبارة «هيدا حبيبنا هيدا من جماعتنا» أى إنه من الحزب أو الطائفة أو الحزب المعبر عن الطائفة!

ومن هنا يصبح «الآخر» هو خارج دائرة الثقة، وخارج جماعتنا وخارج الوطن، لأن مشروع الوطن فى هذه الحالة يتم اختصاره فى داخل الطائفة!

ورغم الفشل الذريع لتجربة تعددية الطوائف فى لبنان والتى أدت إلى حرب دموية أدت إلى قتل وجرح نصف مليون لبنانى استمرت 17 عاماً ظهر فيها القبح المخيف لدموية الطوائف ومخاطر المشاعر الطائفية على البلاد والعباد، إلا أنه تم تصدير هذه التجربة إلى العراق!

وأخطر ما فى الطائفية فى العراق ولبنان هى أنها تلبى مشروعات التقسيم التى تحلم بها كل القوى غير العربية فى المنطقة «تركيا - إيران - إسرائيل».

فى الحالة العراقية، قرر الحاكم العسكرى «بريمر» بعد غزو بلاده للعراق أن يعتمد نظام المحاصصة الطائفية، هادماً بذلك مشروع الدولة الوطنية، وتم تقسيم المجتمع والمناصب العامة بنظام المحاصصة بين العرب والأكراد والتركمان والمسيحيين والشبك والأيزيديين وبين السنة والشيعة والشيعة العرب والفرس. فى العراق انقسم الجميع على الجميع، وأصبح التطاحن على مستويات متعددة، منها طائفى، ومنها دينى، ومنها مناطقى، ومنها قبلى، ومنها عرقى، وآخرها السياسى!

فى العراق انقسمت الطائفة على الطائفة (شيعة عرب ضد شيعة فرس)، و(سنة عرب وسنة أكراد)، و(أكراد عرب وأكراد انفصاليين).

وتم بناء هذا التقسيم الطائفى فى العراق على إحصاء سكانى قديم «عام 1947» يعطى الشيعة «عرب - أكراد - تركمان - فرس» نسبة 54٪ من نسبة السكان بينما أعطى للسكان السنة «عرب - أكراد - تركمان» نسبة 39٪ متجاهلين التغيير الديموغرافى الذى حدث فى البلاد بعد نصف قرن!

وظهر أثر ذلك فى لبنان والعراق على مسألة اتخاذ القرار السياسى فى بيروت وبغداد.

اختيار رئيس جمهورية معضلة، وتشكيل حكومة يمكن أن يستغرق شهوراً أو يتجاوز أى زمن قانونى أو منطقى، تعديل قوانين يصل لطريق مسدود، إقرار ميزانية يصل إلى طريق مسدود، حسم واضح لعلاقة الوطن بقوى إقليمية أو دولية تحدث فيه معارك طاحنة.

وأصبح واضحاً أن قوة أى طرف فى تركيبة المحاصصة فى لبنان أو العراق ليس من خلال تمثيله النسبى وغلبته العددية عبر الطرق الديمقراطية، ولكن عبر السلاح غير الشرعى، وقوة المال السياسى الخارجى التى يستقوى بها على غيره.

ذلك كله يجعل دولة حضارة الفينيقيين التاريخية فى لبنان، وعاصمة الخلافة العباسية فى العراق، مهددتين بسقوط مشروع الدولة الوطنية بسبب فساد نظام المحاصصة.

أيتها المحاصصة.. كم من الجرائم ارتكبت باسمك.

الويل كل الويل لمن ينادى فى لبنان والعراق بإلغاء المحاصصة الطائفية ويدعو إلى قيام نظام انتخابى يقوم على أن البلاد كلها دائرة واحدة بلا محاصصة، وأن حق الاختيار فى كل المناصب يقوم على الكفاءة والنزاهة والأفضلية وليس على المحاصصة والطائفية والمحسوبية القائمة على العرقية والقبلية والمناطقية.

وما زالت المحاصصة حاكمة فى لبنان والعراق، مما يدفعنا إلى الصراخ فى هذا الشهر الفضيل: «كانت المحاصصة نائمة لعن الله من أيقظها الآن»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المحاصصة الطائفية لعن الله من أيقظها» «المحاصصة الطائفية لعن الله من أيقظها»



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان

GMT 20:50 2013 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إنفاق 237 مليار دولار سنويًا لدعم الطاقة في الشرق الأوسط

GMT 05:53 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إسطنبول مدينة رائعة تحضن كل الأمزجة التي تنبض بالحياة

GMT 09:41 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

بحث مشاريع الطاقة بين الأردن ومصر والعراق

GMT 19:07 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة بطلة فيلم "لوليتا"

GMT 03:55 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إشادة كبيرة من الجمهور المشارك في حفل "الماسة كابيتال".

GMT 01:26 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير تشيز كيك التفاح بطريقة سهلة وبسيطة

GMT 10:14 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

إخراج عنكبوت صغير مِن أعماق أذن امرأة فيتنامية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates