بقلم - عماد الدين أديب
إذا دخل «أردوغان» واخترق خط سرت - الجفرة ماذا يربح؟ وإذا بقى داخل حدود هذا الخط ماذا يخسر؟يدخل أو لا يدخل؟ما أهمية «سرت» له ولمشروعه ولحلفائه فى ليبيا وقطر والإخوان وداعش والقاعدة؟حزمة أسئلة تحمل حزمة أكبر من الإجابات، بعضها قد يؤدى إلى تحويل ليبيا لـ«حرب عالمية مصغرة» فى المنطقة وفى شرق المتوسط.هنا نأتى بفرضية ثالثة: هل هناك احتمالان فقط أمام «أردوغان»؟ بمعنى أن «يدخل» أو «لا يدخل»، ويخترق خط سرت - الجفرة بنفسه مباشرة، أم أن فرضية أخرى واحتمالاً ثالثاً قد يكون بمثابة «مظلة القفز الوحيدة» المتاحة كى لا يقع من ارتفاع شاهق من سُحب الأحلام على أرض الواقع المفروشة بالدماء؟تعالوا أولاً نناقش الوضع الاستراتيجى الآن، وموازين القوى، التى قد ترسم للجميع مسألة «تقدير الموقف النهائى» قبيل القرار بالحرب أو بالتفاوض.هنا نسأل: ماذا يملك كل طرف؟طرف «أردوغان، السراج، الميليشيات، قطر، داعش، الإخوان، القاعدة، الشيشان» يعانى من عدة صعوبات.أول صعوبة هى أن هذا الطرف «سيئ السمعة» ولديه مشكلة عميقة فى المصداقية الدولية يمكن تحديدها على النحو التالى:1- كذّب «أردوغان» شخصياً الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى لقاء قمة روسيا الخاصة بليبيا.وظهر ذلك فى: 1- ما تسرب من خطاب صادر باللغة التركية من خارجية الوفاق إلى أنقرة، فيه ملخص لطبيعة الموقف الروسى من الأحداث الأخيرة فى ليبيا والذى أظهر فيه وزير الخارجية «لافروف» استياءً من الدور التركى، ونفياً شديداً لوجود مرتزقة فاجنر، ورفض بلاده لأى مغامرات عسكرية.2- تصريحات الخارجية الروسية التى أعلنت صراحة تأييدها الواضح لمبادرة القاهرة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى.3- بيان الخارجية الروسية حول كذب ادعاءات تركيا وحكومة السراج حول وجود قوات من مرتزقة «فاجنر»، وهم مرتزقة محترفون على أعلى مستوى يتبعون بشكل غير رسمى أجهزة عسكرية روسية.4- شعور أطراف قمة برلين الخاصة بليبيا بخيبة الأمل وحالة من الخداع التى مارسها «أردوغان» عليهم حينما وقّع على وثيقة القمة وتعهّد بعدم إرسال أسلحة وقوات مرتزقة، ثم غدر بالجميع، وبدأ فى إقامة جسر جوى من شمال سوريا إلى تركيا، ومنها إلى الساحل الليبى قرب طرابلس.هذا الاستخفاف التركى بالتعهدات لا يمكن أن يمر هكذا دون رد فعل من الكبار، وهو ما يجرى تداوله الآن داخل الاتحاد الأوروبى والأروقة الجانبية لمجلس الأمن الدولى.5- حالة التشتت العسكرى التى تعانيها القوات التركية فى كل من:1- تأمين قاعدة أنجرليك.2- تأمين المناطق الكردية فى تركيا.3- تأمين أنقرة، إسطنبول، أزمير، لضمان أمن النظام عقب محاولة انقلاب 2016.4- يبلغ مجموع القوات المجنّدة تحت السلاح لخدمة مشروعات «أردوغان» فى:1- القوات البرية لحلف الأطلنطى.2- حماية أمن النظام.3- حماية المناطق الكردية فى تركيا.4- قاعدة مدغشقر.5- قاعدة الصومال.6- أمن العائلة المالكة فى الدوحة.7- حول إدلب وشمال شرق سوريا.8- مناطق الموصل وكردستان فى العراق.9- نشاط بحرى فى شرق المتوسط.10- قاعدة أنجرليك.11- قبرص التركية.12- ليبيا.ما يعادل نصف قوة القتال التركية للجيش النظامى.هذا كله يضع عبئاً على قدرات القيادة والسلطة لقوى هيئة الأركان التركية ويحمّل الموازنة التركية نفقات وأعباء عالية.4- هنا نأتى إلى تقدير الموقف العسكرى حول ميزان القوى فى حال تجاوز خط سرت - الجفرة، ودخول القوات المصرية بتحالف كلى من قوات قبائل شرق ليبيا مدعومة بجيش حفتر يديرها أرضاً وبحراً وجواً جيش مصر القوى.تقول الأرقام المحايدة عالمياً مثل مجلة «فاير باور» المتخصصة فى أداء جيوش العالم حسب إحصاءات عام 2019 الآتى:عدد السكان لصالح مصر، وتبلغ القوة البشرية المتاحة 43 مليوناً مقابل 41 لتركيا من مجموع سكان البلدان.عدد الجنود لصالح الجيش المصرى، حيث يبلغ إجمالى عدد القوات المصرية 920 ألف ضابط وجندى، بينهم 440 ألف جندى فاعل، و480 ألفاً فى الاحتياط، بينما يبلغ تعداد الجيش التركى 735 ألفاً، بينهم 355 ألف جندى فاعل، و380 ألفاً فى الاحتياط.فى سلاح الجو يمتلك الجيش المصرى 1092 طائرة متنوعة، بينما يمتلك الأتراك 1067، بتفوق لسلاح الجو المصرى فى نوعية الطائرات القاذفة المقاتلة الحديثة.القوات البحرية، هناك تفوق واضح للغاية للبحرية المصرية التى تمتلك 320 قطعة بحرية، منها حاملتا طائرات هليكوبتر و4 غواصات حديثة من ألمانيا، بالإضافة لبقية القطع التقليدية، بينما تمتلك تركيا 194 قطعة فقط.بالإضافة لذلك كله فإن جيش مصر، كما قال الرئيس السيسى، يعرف المنطقة جيداً وتدرب بشكل متميز على حماية 1200 كيلومتر من الحدود مع ليبيا خلال الـ7 سنوات الأخيرة.هذا كله بطرح السؤال: هل يقدر «أردوغان»، المتوسع فى تركيا وسوريا والعراق ومدغشقر وقطر والصومال، والمتأهب بحرياً لليونان وقبرص، والمتحرش بالسفن والبوارج الفرنسية فى المتوسط، أن يرسل كل ما تبقى من جيشه بأكمله إلى ليبيا؟هنا نأتى إلى تلك القاعدة العسكرية التى اتفق عليها كل من «صن تسو» فى الصين القديمة، وهولاكو، وبونابرت، وليدل هارت، وتشرشل، وهتلر، ومونتجمرى، وأيزنهاور، والجنرال ماك آرثر، وهى: «أن الجيوش البرية التى تحارب فى مسرح عمليات غريب عنها له خطوط إمداد وتموين طويلة يسهل تقطيعها وفصلها عن المركز الرئيسى لها يسهل هزيمتها».وقد يكون الرد على ذلك، أن تلك المسألة قد تغيرت كلياً بتطور شكل التسليح وتوجيه الأسلحة وتوافر عناصر الحرب الإلكترونية، والرد على ذلك أن حرباً على أرض بمساحة ليبيا، التى تبلغ مليوناً وسبعمائة وستين كيلومتراً وهى تعتبر رابع بلد من ناحية المساحة فى أفريقيا والسادسة عشرة من ناحية المساحة عالمياً، ويبلغ طول الساحل الليبى على المتوسط 1850 كيلومتراً، ما يجعل عملية حمايته وتأمينه عملية شديدة الصعوبة عسكرياً، تحتاج إلى 4 أمور:1- فهم كامل لطبيعة التضاريس والوضع الجيوعسكرى.2- غطاء جوى من طيران وحماية صاروخية من قواعد ثابتة ومتحركة قريبة من مصدر التموين والإمداد والتسليح.3- حماية بحرية قادرة على تأمين الساحل الليبى على المتوسط، الذى يبلغ طوله 1850 كيلومتراً، وهو يمثل عبئاً على أى سلاح بحرى يسعى للسيطرة عليه من خارج الحدود الليبية.4- اختراق خط سرت - الجفرة يعنى البعد عن ساحل طرابلس 500 كيلومتر، ويعنى أيضاً أن الوصول إلى بنغازى «عاصمة حفتر» فى الشرق، يحتاج أيضاً إلى 500 كيلومتر أخرى.هنا يبرز السؤال: أى عدد وأى عتاد يمكن أن يؤمّن ألف كيلومتر من طرابلس إلى بنغازى؟هنا نصل إلى السؤال الأهم والأصعب على «أردوغان»: ماذا إذا اقتنع الرجل بأن خرق خط سرت - الجفرة هو أمر «مكلّف للغاية له ولمكانته فى الداخل التركى الصعب المتربص له، وفى الخارج العالمى المتوعد له»؟هنا قد يأتى الحل فى الخيار الثالث، المختلف عن «يدخل مباشرة أو لا يدخل مباشرة»، وهو «خيار إنقاذى انتهازى يخدم جنون المغامرة عنده، ولا يعرّضه إلى خسارة مباشرة».ما هذا الخيار؟ إنه ببساطة الحرب بالوكالة.الحرب بالوكالة هى: حينما تستخدم القوى المتحاربة أطرافاً أخرى للقتال بدلاً عنها بشكل مباشر، بحيث تصبح هذه الأطراف وكلاء عنها فى الحرب.وظهرت حالات عديدة من الحرب بالوكالة عقب الحرب العالمية الثانية فى زمن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى القديم، ويقوم كل طرف بدعم الطرف المقاتل الذى يحارب بالوكالة عنه بالسلاح والخبراء والتدريب والمعلومات.يعتمد هذا التصور على:1- ميليشيات حكومة الوفاق، وهى 6 فصائل رئيسية لا تزيد على 25 ألفاً.2- مرتزقة من سوريا، 12 ألف مقاتل حتى الآن يتم العمل على زيادتهم إلى 20 ألفاً.3- مرتزقة من تشاد ومالى وتونس.4- ضباط استخبارات وخبراء إدارة معارك وخبراء تشغيل بطاريات دفاع جوى وطائرات مسيرة يتراوحون بين 2500 و3 آلاف ضابط وجندى.5- مجموعة مرغمة من المهاجرين المحتجزين فى ليبيا من الأطفال والصبية الذين يحاربون رغماً عنهم، متوسط أعمارهم بين 12 و16 سنة.6- بعض القبائل الليبية التى تعانى مادياً والذين تم التأثير المادى عليهم من قبل شحنات الدولارات القطرية التى وصلت مؤخراً إلى ليبيا على طائرات «سى 130» العملاقة.هذا الخيار يعطى «أردوغان» مزيجاً من ثنائية: الظهور بمظهر الراغب فى التفاوض، وفى الوقت ذاته الداعم من الخلف والمحرك الرئيسى ضد حفتر، ومصر، وقبائل الشرق، وشركة توتال، وماكرون، وروسيا، والإمارات، والسعودية.هذا الخيار يجعله ينشر شر الإخوان، وداعش، والقاعدة، نحو الشرق، بحيث يصبح مصدر تهديد دائم للهلال النفطى فى تلك المنطقة، وهى تلك المنطقة التى تمتد من ميناء «الزويتينة» شمال شرق مدينة أجدابيا، مروراً بـ«البريقة ورأس لانوف»، وصولاً إلى «السدرة» على الطريق الساحلى، وهو يمثل 80٪ من احتياطى النفط الليبى، وأكبر خزان للنفط فى قارة أفريقيا.هذا الخيار يرضى حليفته قطر، وبعض القوى فى إيطاليا، والولايات المتحدة.هذا الخيار يهدف إلى محاولة استنزاف جيش مصر واقتصادها لسنوات بهدف تعطيل مشروع الرئيس السسيسى للإصلاح الاقتصادى.هذا الخيار يجعله يجلس بقوة، وله مقعد دائم على مائدة أى مفاوضات مستقبلية حول تقاسم نفط وغاز وإعادة إعمار ليبيا فى المستقبل.هذا الخيار إذا نجح، لا قدر الله، يمكن أن يضاف إلى مشروعاته الأخرى فى اليمن، ومدغشقر، وسوريا، والعراق، من أجل إقامة نواة الخلافة العثمانية عام 2023.إذا صح كل ذلك بالفعل كان شرطه الأساسى والوحيد هو أن ينتصر عسكرياً، ولكن ماذا لو انهزم هو وحلفاؤه على مسرح القتال الليبى؟تلك ستكون نهاية رئيس وسياسى اسمه رجب طيب أردوغان.هنا نقرأ الفاتحة على روح مشروعه.«انتهت»