متى نكون أكثر صدقاً وأقل كذباً

متى نكون أكثر صدقاً وأقل كذباً؟

متى نكون أكثر صدقاً وأقل كذباً؟

 صوت الإمارات -

متى نكون أكثر صدقاً وأقل كذباً

عماد الدين أديب
بقلم - عماد الدين أديب

يجب على كل مهتم بالتفكير السياسى فى عالمنا العربى أن يقرأ بفهم وتركيز وعقل مفتوح الرسالة التى نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية ليوسف العتيبة سفير دولة الإمارات المتحدة بالولايات المتحدة الأمريكية.

القصة باختصار أكبر من رسالة، وأهم من كاتب وقارئ ووسيلة، لكنها «أسلوب تفكير» عملى وبراجماتى وشجاع يسمى الأشياء بأسمائها ويجعل من «هجوم السلام الذكى» أفضل من «العنتريات الكاذبة».

ما الذى جاء فى رسالة السفير يوسف العتيبة؟ «إن ضم الضفة وغور الأردن هو استيلاء غير مشروع يسعى الفلسطينيون لأن يكون أساساً لدولتهم المستقلة». وحذر «العتيبة»: إن «الضم سيقلب -بالقطع- وفوراً كل المطامع الإسرائيلية لعلاقات أمنية واقتصادية وثقافية أفضل مع العالم العربى ومع دولة الإمارات العربية المتحدة» كما جاء فى المقال.

وقال «العتيبة» إن «الناس الذين أصبح بعضهم أقل عداء لإسرائيل، سوف يؤدى قرر الضم إلى نسف هذه المشاعر»!

حينما نعمل فى واشنطن لسنوات نفهم جيداً وبعمق مفاتيح التأثير اليهودى الصهيونى على صانع القرار الأمريكى وندرك أسلوب مخاطبة العقل اليهودى السياسى.

والسفير العتيبة الذى تولى منصبه فى واشنطن عام 2008 تأثر بمدرسة تفكير الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبوظبى، حيث عمل تحت إدارته لمدة 7 سنوات كبيراً لمستشاريه للشئون الخارجية.

فى رأيى المتواضع، أن يوسف العتيبة وضع الرأى العام الإسرائيلى أمام لحظة اختيار واضحة لا تحتمل التأويل.

الاختيار كما جاء فى المقال، وكما فهمته، هو إما أن تختاروا السلام من خلال التفاوض وإما أن تختاروا السلام من خلال فرض الاستسلام بالقوة.

وبذكاء شديد، وفهم ووعى بالعقلية الإسرائيلية، وضع «العتيبة» العقل الإسرائيلى أمام ترجيح خيار سلام التفاوض، بدلاً من فرض الاستسلام، لأن الخيار الأخير القائم على الضم القسرى للأراضى، سوف ينتهى إلى هدم المعبد على رأس الجميع بلا استثناء.

وفى رأيى أن أقوى ما جاء فى هذا المقال المكتوب بعناية فائقة هو أنه فى حالة ضم إسرائيل لأراضى الضفة، فإن على الرأى العام الإسرائيلى أن ينسى -نهائياً- أى أمل فى علاقات طبيعية مع العالم العربى.

وبصيغة أخرى، قدم المقال معادلة صريحة معروضة بذكاء تقول: «لا ضم يعنى أملاً فى علاقات طبيعية، أما إذا كان الإصرار على الضم نهائياً، فإن لا شىء يمكن أن يكون طبيعياً بين العرب وإسرائيل».

من السهل على السفير يوسف العتيبة أن يجلس فى مقر سفارته بواشنطن، يمارس أعماله الاعتيادية كسفير لدولة صديقة.

يحضر حفلات الكوكتيل والأعياد والمناسبات القومية فى العاصمة الأمريكية، وأن يوفر على بلاده وعلى نفسه تعليقات «الجزيرة»، وسوء ألفاظ الكتائب الإلكترونية.

لم أستغرب أن يقدم السفير الإماراتى بواشنطن على هذه الخطوة الجريئة، لأنه ابن مدرسة سياسية دبلوماسية تعتمد المبادرة، والتفكير الشجاع، والبحث عن بدائل خارج الصندوق.

باختصار، تعلم ساسة الإمارات من الوالد المؤسس الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله مبدأ: «افعل ما تقول ولا تقل ما لن تفعله».

ببساطة، إنها حالة من الصدق مع النفس القائم على الواقعية، فلا تنازل فى المبادئ أو تفريط فى القيم. ومن أقوال الشيخ زايد المؤثرة: «على الحاكم ألا يعد شعباً بشىء لن يفى به».

منهج هذا التفكير الذى فرضه الشيخ زايد، تجده فى أذهان الشيخ محمد، والشيخ حمدان، والشيخ هزاع، والشيخ سيف، والشيخ عبدالله بن زايد، وتجده أيضاً فى نفس وعقل الشيخ نهيان، والشيخ بن زايد والدكتور أنور قرقاش، جميعهم يتبعون المدرسة ذاتها التى غرست نفس التفكير الذى أثر على مدرسة السياسة والدبلوماسية والاقتصاد فى الإمارات.

المدرسة ذاتها التى تسعى إلى الحفاظ على الاعتدال والوسطية ورعاية المصالح الوطنية، ومواجهة الإرهاب التكفيرى فى الداخل والخارج، ونشر التسامح الإنسانى واحترام سيادة الدول.

من هنا ليس غريباً أن تجد التقارب بين قيادات الإمارات والسعودية ومصر والمغرب والأردن، وكل من يفكر على هذا النهج نفسه.

إن آفة العقل العربى هى إنكار الحقيقة، وإذا اعترفنا بها -وهو أمر نادر- لا نسعى إلى التعامل الإيجابى معها بناء على معطيات حقيقية لحماية مصالح شعوبنا.

العقل العربى يخسر حروباً ومواقع ومعارك وقضايا ويسعى فى الوقت ذاته إلى الحصول على شروط المهزوم.

باختصار شديد، نخسر ولا نريد دفع فاتورة الخسارة، ولا نقوم بمحاولة تعويض الخسائر أو تغيير الواقع المؤلم.

أفضل ما اعتاد عليه العقل العربى منذ هزيمة 1967، هو لعن الواقع وإلقاء المسئولية كاملة على الصهيونية والإمبريالية والرجعية وتبرئة النفس من أى تقصير أو خطأ أو خطيئة، ومما لا شك فيه أن إسرائيل مغتصبة بالقوة لأراضٍ عربية، ولكن السؤال كيف نواجهها؟

تاريخنا المعاصر هو تاريخ الفرص الضائعة، وفى كل مرة ينكشف الغطاء عنا ويثبت لنا أننا نرفع شعارات التحرير ونحن نعرف -مسبقاً- أننا لن نحارب.

نحن لا نستعد للقتال، ونرفض ثمن السلام، يا لها من حالة مؤلمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متى نكون أكثر صدقاً وأقل كذباً متى نكون أكثر صدقاً وأقل كذباً



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates