هل هناك ضوء أخضر أمريكى يبارك العمليات العسكرية التركية فى المنطقة؟
هل -فى أعماق نفسها- تدعم «واشنطن» التدخلات العسكرية الحمقاء فى الشرق الأوسط؟
وهل كان ممكناً أن تدخل قوات «أردوغان» فى سوريا والعراق وليبيا، وتهدد مصالح اليونان وقبرص وإيطاليا، وتتحدى الاتحاد الأوروبى، وتقف فى خندق مضاد لحليفتها السعودية، والإمارات ومصر والأردن، وترك الجزائر وتونس فى مرمى التهديد؟
فى هذا المجال، علينا بصراحة مؤلمة أن نقول الآتى:
1- إن هناك، فى الوقت الحالى، سياستين خارجيتين للولايات المتحدة؛ الأولى «علنية» تحاول أن تكون مبدئية متسقة مع المصالح الاستراتيجية الدائمة، وهناك سياسة أخرى «باطنية» تحمل فى طياتها «حقيقة مصالح» الإدارة الأمريكية الحالية.
2- إن فى هذا الصدد يجب التفرقة الكاملة بين سياسة الرئيس الأمريكى وثوابت الولايات المتحدة ومصالحها الدائمة فى المنطقة.
ببساطة نحن أمام رئيس يتبع مصالح «القوى الخفية» التى صعّدته فى الحزب الحاكم كى يأتى بأجندة وطنية محددة؛ وهى تحطيم 16 عاماً من حكم رئيسين ديمقراطيين هما «كلينتون وأوباما» أمضى كل منهما 8 سنوات فى البيت الأبيض «أضرا بمصالح اليمين المحافظ الأمريكى وأصحاب مصالح الرأسمالية المتوحشة الانعزالية»، لذلك كان لا بد من مقاول «هدم» لكل هذه السياسات التى أدت إلى اتفاقات وقوانين ومعاهدات فى الداخل والخارج.
3- إن هذا الرئيس، دوناً عن غيره، من أكثر الرؤساء الخارجين عن السيطرة من أقرب مساعديه فى البيت الأبيض أو نخبة الحزب الحاكم، أو كبار أعضاء مجلسى الشيوخ والنواب من حزبه.
وهذا الرئيس، دوناً عن غيره، من أكثر الزعماء عداءً واستعداءً لمعارضيه، ولجميع وسائل الإعلام بجميع أشكالها.
هذا كله يجعل من أسلوب حكم دونالد ترامب قائماً على الهوى الشخصى والمصالح الذاتية، والاتفاقات التى تشبه اتفاقات المافيا التى تقوم على السرية والالتزام الحديدى الشخصى والتى تُصاغ فى غرف سوداء ولا يحلها سوى الدم.
نحن لسنا فى الولايات المتحدة القائمة على توازن السلطات، وقيام سلطات الرقابة والتشريع، وسلطات بين القوانين وحمايتها إلى إحداث حالة توازن دقيق بين السلطات الثلاث وتقييد سلطات الرئيس.
فى ظل ذلك المناخ، وتحت سقف هذه المعادلة، يدخل ائتلاف التحالف التركى القطرى بأمواله، ونفوذه، ورجاله، وشركات علاقاته العامة، ورجاله فى مجلسى الشيوخ والنواب، وبطبيعة العلاقة الخاصة لـ«أنقرة والدوحة» فى الاستخبارات الأمريكية والبنتاجون ولوبى مبيعات السلاح لصياغة سياسة حمقاء تتسق تماماً مع جموح وانفلات الرئيس الأمريكى.
«ترامب» يكره فكرة الاتحاد الأوروبى كتجمع وكقوى اقتصادية، لذلك لا يمانع، بل «يبتهج» للغاية من تهديد الدور التركى شرق المتوسط للمصالح الأوروبية.
«ترامب» يشعر بحنق شديد للدور الروسى فى سوريا، لذلك يعلن على مستوى التصريح رفضه لعملية عسكرية فى شمال شرق الفرات، لكنه يدعمها من تحت الستار؛ لأنها ببساطة ضد المصالح الروسية.
«ترامب» يريد تهدئة فى العراق والتصريح لمواجهة النفوذ الإيرانى فيها، لذلك لا يمانع «أبداً» فى إقامة تركيا لـ20 نقطة ارتكاز واستخبارات تركية فى المنطقة الكردية بجانب حقول النفط الاستراتيجية.
وبدخول روسيا مؤخراً فى الصراع الليبى بقوات خبراء وبسلاح دفاع جوى وبطائرات مقاتلة حدث تحول أساسى -بالضرورة- يؤدى إلى قيام «واشنطن» بدعم الفريق المضاد للفريق الذى يحظى بالدعم الروسى.
وأقصى ما قامت به «واشنطن» فى الصراع الليبى حتى الآن هو:
1- إصدار بيان صادر عن السفارة الأمريكية فى ليبيا يطالب طرفى الصراع بإيقاف إطلاق النار وعدم التصعيد ورفض مبدأ استقدام مرتزقة وميليشيات من أى طرف.
2- الموقف الثانى هو اجتماع بين القيادة المركزية للقوات الأمريكية فى أفريقيا، المعروفة باسم «أفريكوم»، برئاسة الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القوات الأمريكية فى أفريقيا «إنه يتعين القيام بوقف استراتيجى للعمليات العسكرية من قبَل جميع أطراف النزاع».
وجاء فى البيان الرسمى بالنص: «إن جميع الأطراف بحاجة إلى وقف إطلاق النار والمفاوضات السياسية».
لم يذكر البيان شيئاً عن المرتزقة أو عن التدخل التركى أو عن الميليشيات الإرهابية.
ولم يفعل الأمريكيون شيئاً فى مجال الحوار أو الوساطة أو محاولات فرض حل على الأطراف!
هنا نسأل: هل هذا يكفى؟ وهل هذا سلوك دولة عظمى، إن لم تكن الأعظم، فى صراع إقليمى مثل الصراع الليبى؟
السؤال الأهم: ماذا كان يمكن أن تفعل لو أرادت الولايات المتحدة تحجيم المغامرات العسكرية التوسعية التركية؟
لو أرادت، وهنا نقول «لو»، «واشنطن» لقامت بالآتى:
1- إصدار قرارات عقابية من مجلس الأمن الدولى تهدد بوضع تركيا تحت إجراءات البند الذى يجعلها دولة مارقة ويتيح اتخاذ إجراءات عقابية ضدها تبدأ بالمقاطعة وتنتهى بالأعمال العسكرية ضدها.
2- لو أرادت «واشنطن» فعلاً لمنعت القوات التركية من بناء قواعدها فى سوريا والعراق.
3- لو أرادت «واشنطن» فعلاً لاعترضت أول طائرة تركية تنقل مرتزقة إرهابيين من سوريا إلى تركيا ومنها إلى ليبيا.
لكن «واشنطن» سعيدة وممتنة لتركيا لقيامها بـ«مقاولة تنظيف سوريا» من «داعش والقاعدة» ومن شابههما.
4- لو أرادت «واشنطن» فعلاً لمنعت عبر أسطولها الموجود بشكل دائم فى البحر المتوسط الفرقاطات التركية من إجراءات الاعتداء على حقول الغاز باليونان وقبرص فى المتوسط.
الرئيس الأمريكى منشغل عن أى ملفات خارجية طالما أنها ليست ذات أى مردود انتخابى عليه الآن.
تركيا دولة مهمة للمصالح الأمريكية بسبب الموقع، والعلاقة التاريخية، وميزان التجارة، وقاعدة أنجرليك، وعضوية حلف الأطلنطى، والتعاون العسكرى فى التسليح والتعاون الأمنى والاستخبارات.
هنا أيضاً لا بد من فهم تأثير دور اللوبى القطرى - الأمريكى القائم على شبكة مصالح داخل مكاتب رجال الكونجرس والنواب وحكام الولايات، وأيضاً داخل مكتب وبيت الرئىس ترامب نفسه عبر صهره «جاريد كوشنر»، وعبر شركة إكسون موبيل، وشركة بوينج.
نحن الآن أمام صراع قادم لا ريب فيه قد تطول فيه المواجهات، من هنا يتعين علينا ونحن نحسب حساباتنا بدقة شديدة أن نعرف من -فعلاً- معنا، ومن ضدنا، ومن يدّعى أنه معنا لكنه فى الحقيقة ليس معنا!!