تَوِّج شرعيتك  بنكهة الكيماوي

تَوِّج "شرعيتك" بنكهة الكيماوي!

تَوِّج "شرعيتك" بنكهة الكيماوي!

 صوت الإمارات -

تَوِّج شرعيتك  بنكهة الكيماوي

علي الرز

يضع بيان مجلس الأمن الأخير عن سورية معايير جديدة لشرعية الحاكم في العالم العربي، ليس بينها حجم الأصوات التي يحصل عليها في صناديق الاقتراع بل حجم البراميل المتفجّرة في طائراته ... ألم تسبق البيان مجزرتا دوما ودرعا اللتان كفلتا إزالة الفقرة المتعلقة بضرورة مغادرة الأسد للسلطة؟

في ذكرى مرور سنتين على مجزرة الكيماوي، يبدو ان نظاماً دولياً جديداً غريباً عجيباً يتشكّل من مأساة الشعب السوري تحديداً، وكأن هذا النظام يختبر قدرته على الولادة والظهور بقدر ما يصهر من عظام الأطفال وما يشرب من دماء الضحايا.
عامان، والسوري ينتظر خطوط اوباما الخضر التي تلي تَجاوُز بشار للخطوط الحمر، ليكتشف ان الانتظار كلمة اوبامية وهمية، وان الاسم الحقيقي للأمل المزعوم هو المختبر، وان موته المجاني هو مادة هذا المختبر الذي يقيس درجات التحول الإقليمي والدولي باللحم الحيّ، ويتوصل الى تركيبات جديدة في غاية التطرف والتعقيد بتدمير المناطق ونهْش الخرائط والحدود، وينجح في إنجاب معادلات جديدة عبر تعميم المقابر الجماعية، ويتوسع في أبحاثه كلما زاد التشرّد والتهجير، ويلجأ الى التضحية بمواد البحث ويغرق في تبذيرها مستفيداً من غرق مراكب اللاجئين في بحور العار ... وعندما يزدحم المختبر ويحتاج العلماء او العملاء الى مكان أوسع للعمل، يتكفّل الجزار المحلي بالمهمة ويبيد بالكيماوي الآلاف حرصاً على رحابة المختبر.
عامان مرّا، وما زال السجال دائراً حول نتيجة الاختبار وليس حول ما حصل في المختبر. اين سندفن مخزون بشار النووي؟ ذرفوا الدمع في اوروبا خوفاً على السمك في المحيطات، تظاهروا وتشابكوا مع رجال الأمن خوفاً على النبات والرمل في البرّ، هددوا بإسقاط حكومات إن هي سمحت بتسميم البيئة ... ثم تَفاخروا بتسويةٍ انتصرت للسمك والنبات والبيئة، ونسوا ان أرواحاً بريئة زُهقت بكل ما في الإجرام من وحشيةٍ استكثر العالم فيها دمعة حزن.
عامان مرّا، لم يكن هناك "داعش" في الغوطة، لم يكن سوى الأمل الوهمي الذي أعطاه اوباما من خلال الخطوط الحمر التي وضعها: استخدام العنف مع المتظاهرين العزل خط أحمر، واستخدام السلاح الآلي ضد الناس خط أحمر، واستخدام الدبابات والمدفعية خط أحمر، واستخدام المقاتلات خط أحمر، ورمي البراميل خط أحمر ... كل هذه الخطوط الحمر أقامت عملياً دولة اللاجئين السوريين في وطنهم، وشرّدت الناس من منطقة الى أخرى لان النظام تَجاوز ذلك كله شاكراً اوباما على بيع الناس الوهم، بل وعلى تجميعهم في الغوطة مصدّقين ان الكيماوي لن يُستخدم لان كلمة الشرف الأميركية صعب ان تُسحب بين ليلة وضحاها.
جمعت خطوط اوباما الحمر الناس في الغوطة، وضرب بشار الكيماوي عليهم. دخل العالم الى المختبر مجدداً لإنضاج تسوية أخرى على حفلة شواء اللحم السوري إنما مع توابل حارة من التهديدات والحروب وتدفيع الثمن. نضجت التسوية الأخرى ودفع ضحايا الكيماوي الثمن مرتين، مرة عندما اختنقوا بالغاز السام، ومرّة حين بيعت أرواحهم في سوق التسويات المسمومة ... وحده بشار وقف أمام لوحة الخطوط الحمر ووضع إشارة إكس على الخانة الكيماوية الأخيرة.
لم يرد اوباما ان يُزعِج الجلسات النووية مع ايران بالجريمة الكيماوية، ولا ان يُزعِج المفاوضات مع روسيا على الأرض الاوكرانية بضربات جوية لسورية ... رجلٌ صاحب مدرسة جديدة في العلاقات الدولية والإنسانية ترتكز على ترسانة ضخمة من الفلسفة والتنظير عندما يتعلّق الأمر بمئات الآلاف من الضحايا السوريين، وعلى ترسانة ضخمة من الصواريخ عندما يتعلق الأمر بقتْل صحافي أميركي. لكن أهمّ ما في هذه المدرسة، معايير شرعية الحاكم في العالم العربي كما تمّ تثبيتها في مجلس الأمن بعد يومين من مجزرتيْ دوما ودرعا وقبل أيام من ذكرى مجزرة الكيماوي:
إملأ سجونك بالمعتقلين وغرف التعذيب بالمعذبين، واسحب حناجر الهاتفين وأحشاء الاطفال، ودمِّر البيوت على مَن فيها بالبراميل الجوية، واحصد المئات في الأسواق والمدارس بالمدفعية والصواريخ، واهتك الأعراض، وشَرِّع البلاد لكل متطرّف وغاصب وطامع، وقَسِّم الارض واطلق الغرائز الطائفية مصحوبة بسكاكين الفتنة ... ثم تَوِّج "شرعيتك" بمجزرة الكيماوي.
هل هناك معايير أخرى؟
بالمناسبة، لم يتوقف اوباما عند ذكرى مجزرة الكيماوي، مثبتاً للمرة المليون ان كلمة الشرف الاميركية لا تُسحب بين ليلة وضحاها!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تَوِّج شرعيتك  بنكهة الكيماوي تَوِّج شرعيتك  بنكهة الكيماوي



GMT 21:52 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

نفط ليبيا في مهب النهب والإهدار

GMT 21:51 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

نموذج ماكينلي

GMT 21:51 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!

GMT 21:49 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

الإرهاب الأخضر أو «الخمير الخضر»

GMT 21:48 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

الإرهاب الأخضر أو «الخمير الخضر»

GMT 21:48 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

اللبنانيون واستقبال الجديد

GMT 21:47 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

لا لتعريب الطب

GMT 21:46 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

في ذكرى صاحب المزرعة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 02:38 2015 الجمعة ,02 كانون الثاني / يناير

باكستان من بين أسوأ عشر دول من حيث حرية "الإنترنت"

GMT 19:35 2013 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مطعم سياحي مفتوح للجمهور في أحد سجون لندن

GMT 09:53 2018 الأحد ,05 آب / أغسطس

ترجمة وتعريب 1000 درس في "تحدي الترجمة"

GMT 18:11 2015 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

طقس الأردن لطيف الأربعاء وغائم الخميس والجمعة

GMT 06:01 2015 الإثنين ,19 كانون الثاني / يناير

الهند تبني منشآت للطاقة الشمسية فوق القنوات للاقتصاد

GMT 18:53 2016 الإثنين ,11 إبريل / نيسان

تسريب أول صورة لهاتف "نوكيا" بنظام أندرويد

GMT 23:29 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "واتساب" تطرح إصدارًا جديدًا بميزات إضافية جديدة

GMT 19:25 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

سيدة تخون شقيقتها مع زوجها في منطقة سيدي إيفني
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates