مَن قال ليس حقيبة

... مَن قال ليس حقيبة؟

... مَن قال ليس حقيبة؟

 صوت الإمارات -

 مَن قال ليس حقيبة

بقلم : علي الرز


 "آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبة
وأنا لست المُسافر
انني العاشق والأرض حبيبة..."

 مع الاعتذار الكامل من المُبْدِع الراحل محمود درويش، تثبت صورة المُهاجر قسراً من الغوطة أن الوطن حقيبة، وان الأرض سليبة وليست حبيبة، وأن السفر نجاة ... والمُكابرة في الجرْح تزيده تَقرُّحاً.

صورةُ الرجلِ الذي نَقَلَ فلذة كبده في حقيبةٍ، تُغْني عن ألف بيت شعر بعدما ثُقب بيتُه الإسمنتي بألف قذيفة. صورةٌ تعيد صاحبَها الى المعلّقات فيرقد تحت خيمةٍ مع أولاده وزوجته وكسرات الخبز التي تجود بها الأمم المتحدة، ثم إذا حالفتْه تفعيلةُ الضميرِ النائمة على بحر الرجز او المجتث يعود الى بيت القصيد ... الى أطلاله، فيقف باكياً من ذكرى وطنٍ طارِد وعالَمٍ كاذبٍ حقير.
الوطن حقيبة سفر؟ انه المُنى والحلم. محظوظٌ منَ يَعْبُر بين خطوط التماس وتَقاطُع القذائف الى خيمةٍ في مخيمٍ أو كوخٍ من صفيح. وإذا خَيّرْنا ابن الغوطة اليوم كما خَيّرْنا نظراءه في مناطق أخرى أمس بين حقيبة السفر وحَقَبَة القدَر فماذا يختار؟

بعيداً من صورتنا في بيوتٍ لها حرمتها ومناطق لها حمايتها ومكاتب عمل تتوافر فيها كل عوامل الراحة، هناك في الغوطة صورة أخرى ... آخِر ما تريده بيتاً من الشعر او بياناً من مُعارِض او أملاً في يقظةٍ دولية. صورةٌ يبدو فيها المَشهد كالتالي:

منطقةٌ محاصَرة منذ أعوام، لا غذاء ولا دواء ولا هواء نقياً ولا مياه ولا أمن ولا أمان.

منطقةٌ خضعتْ جغرافيتُها للتغيير وبنيتُها السكانية للتشويه، فأَدخل اليها النظام أوراقَ مبرّراته من متطرّفين مسلّحين تماماً كما خلق مع محور الممانعة خلافة الخرافة.

منطقةٌ عانتْ من صراعاتِ القوى القديمة والحديثة قبل معاناتها الراهنة، تماماً كما كان يحصل في أماكن اخرى تتقاتل فيها فصائل "جهادية" ممهِّدةً لقبولٍ شعبي بعودةِ النظام.
منطقةٌ بقيتْ صامدةً بناسها وأهلها وهي تدرك أنها على تخوم العاصمة وأنها ستدفع ثمناً كبيراً بسبب موقعها ومَناعتها. لم تتعب لا مِن كُرْهِ النظام ولا من رفْضِ محاولاتِه المستمرة للتطويع والمهادنة، ولم تنطلِ عليها شعاراتُ "المجاهدين الجدد" الذين وَجدوا المَعابر مفتوحةً من جهة النظام للدخول إليها.

منطقةٌ توقّعتْ ان تكون ساعة المواجهة بالنسبة إليها ساعة إبادة. توقّعتْ كل شيءٍ إلا صمْت العالم حتى على استخدام نظام البراميل مجدداً للسلاح الكيماوي

. توقّعتْ كل شيءٍ إلا عدم قدرة فصائل المعارضة في الخارج على تنفيذ اعتصاماتٍ تتخلّلها إضراباتٌ عن الطعام واكتشفتْ أن موت أبنائها ليس أصعب على بعض المعارضين من جوعهم.

منطقةٌ أعاد النظام وإيران وروسيا وكل الميليشيات المُمانِعة رسْم حدودها بالدم والمَجازر. الوطنُ بالنسبة الى أبنائها موتٌ، والوطنيةُ كفنٌ، والنشيدُ صوتُ الصواريخ والبراميل والقذائف، والهواءُ غاز السارين، والسيادةُ أنقاض المباني، والعلمُ جمجمةٌ وعظْمتان، والشوارعُ مقابر، والملاجىء توابيت، وشعبُها جثثُ أطفالٍ ونساءٍ وكهولٍ وشبانٍ يَستعذبُ أولادُ الشرِّ التمثيل بها تارةً بمضاعفة الأعداد وطوراً بالإدعاء أنها تخضع لإخراجٍ تصويري كي تستدرّ عَطْفَ عالمٍ ... نائم.

وبعد ذلك كله، ألا تبدو صورة الوطن - الحقيبة سفينةَ نجاةٍ؟ ألا يبدو السفر في بحور الهجرة أجْدى رغم كل مآسيه من السفر في بحور الشعر؟ فعذراَ درويش، يا مَن كَتَبْتَ عن التمسك بالوطن والأرض ضدّ همجيّة اسرائيل. ليتَ الله أمدّ في عمرك قليلاً لترى ان الاسرائليين الذين حققوا أرقاماً عالميةً قياسيةً في الوحشية يقفون كالتلاميذ اليوم في مدرسة الأسد وحلفائه. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 مَن قال ليس حقيبة  مَن قال ليس حقيبة



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟
 صوت الإمارات - بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 20:59 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير مادة موجودة في لعاب السحالي للكشف عن أورام البنكرياس

GMT 20:58 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

شرطة نيويورك تبحث عن رجل أضاع خاتم الخطوبة

GMT 09:44 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد بن سعيد يدشن " فندق ألوفت دبي ساوث " فى الامارات

GMT 23:20 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

محمد الشامسي جاهز للمشاركة مع الإمارات أمام عمان

GMT 01:40 2016 الجمعة ,14 تشرين الأول / أكتوبر

حمود سلطان يطالب برحيل المدرب الاماراتي مهدي علي

GMT 10:48 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

الطاولات الجانبية في الديكور لتزيين غرفة الجلوس

GMT 19:49 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

سيفاس سبور يكتسح قيصري سبور برباعية في الدوري التركي

GMT 00:03 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحالف معظم الكواكب لدعمك ومساعدتك في هذا الشهر

GMT 08:50 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي يقهر عجمان بثلاثية في الدوري الإماراتي

GMT 00:38 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

شباب الأهلي يرغب في التعاقد مع الإكوادوري كازاريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates