شيءٌ من السبعيناتعن الثورة والفوضى والأزمة المركبة

"شيءٌ من السبعينات"...عن "الثورة" و"الفوضى" و"الأزمة المركبة"

"شيءٌ من السبعينات"...عن "الثورة" و"الفوضى" و"الأزمة المركبة"

 صوت الإمارات -

شيءٌ من السبعيناتعن الثورة والفوضى والأزمة المركبة

عريب الرنتاوي
بقلم - عريب الرنتاوي

لم يكن لدينا، نحن الجيل الذي تفتح على العمل السياسي في سبعينات القرن الفائت، عقد انتشار "الظاهرة اليسارية" عالمياً، من موضوع أثير على قلوبنا، نقتله بحثاً وسجالاً، مثل موضوع "الثورة بين الذاتي والموضوعي"، وخصائص "اللحظة الحرجة"، التي تصبح معها " الثورات قاطرات تجر التاريخ"، فإن تقدمت عن موعدها أو تأخرت، حلّت الطامة الكبرى.ولم نكن نجد خارج "المكتبة اللينينية"، ما يشفي غليلنا المعرفي، ويحكم بيننا في لحظات التباين والافتراق، شأننا في ذلك، شأن أي "سلفي" من أبناء هذه الأيام، يُغنيه عن كل معرفةٍ وعلمٍ واجتهاد، "نصٌ" مبثوث في بطون الكتب القديمة.

ما لم نكن نبوح به، وتطلب منّا سنوات لتملّك الجرأة على الإفشاء به، أننا في بعض سجالاتنا، كنا كمن يبحث عن "علائم الساعة"، ويترصد ظواهر أسطورية خارقة، تشير إلى اقتراب "البعث "و"الحشر العظيم"...فـ"الشروط الموضوعية" للثورة التي كنّا نستعجلها، لم تكن "مطواعة" بالقدر الذي نشتهي، دع عنك البؤس المقيم، الذي خيّم على "الشرط الذاتي" للانقلاب التاريخي، ما أبقانا في حالة انتظار نزق، ندور في متاهة "الذاتي والموضوعي".

مناسبة هذا الاستذكار، ما نسمعه هذه الأيام، من دعوات للثورة والتثوير، من خارج حدود الأردن، وأحياناً من داخله، تحث على التمرد والعصيان، وتحدي الجائحة المتفشية، ومن دون أن يبذل أحدٌ أي جهد أو عناء للتمييز بين الثورة والفوضى.
لكن دعونا بادئ ذي بدء، أن نعترف بأن ثمة أزمة في الحكم والحكومات في الأردن، "أزمةٌ من فوق"، إن لم نعترف بوجودها، فلن نجد مخرجاً مما نحن فيه وعليه: فشلٌ في استئصال مظاهر الفساد المالي والإداري، وإخفاق في التنمية والتوزيع العادل للدخل والثروة، الفجوة الطبقية في اتساع، وهي كالمقص، كلما تباعدت شفرتاه، كلما ازداد خطورة، جائحة اقتصادية تعتصر البلاد والعباد، برغم مرور أزيد من ثلاثة عقود على بدء برامج التصحيح والإصلاح الاقتصاديين، فشل ظاهر في معالجة مشكلتي الفقر والبطالة، فكلما أكثرنا من إطلاق الوعود بحلهما، كلما ازدادتا تفاقماً، مديونية في ارتفاع ومعها عجز الموازنة، وعبء ضريبي من الأعلى في العالم، وجيوب المواطنين لم يعد فيها، ما يدعم موازنة الحكومة وإيراداتها، وليس هناك "عملة صعبة" ولا "سهلة"، نغذي بها مستورداتنا ومدفوعاتنا، وواحد من كل اثنين تقريبا من شباب "جيل الانتظار"، لا يجد عملاً ويصعب عليه رسم خريطة طريق لمستقبله.

لتأتي "الجائحة، فتوقظنا على أسوأ كوابيسنا، كثير من مظاهر الفشل والتراجع ألمت بقطاعاتنا، بما فيها القطاع الصحي، الأكثر حيوية في هذه الظروف...أرقام الوفيات والإصابات في ارتفاع قياسي والمشافي تنوء بأحمالها، والفيسبوك يتحول إلى "صفحة وفيات" اشتهرت بها الصحف الأردنية تاريخياً...وفيما القلق وانعدام اليقين، يقرع أبواب كل أسرة أردنية، تقف الدولة حائرة أمام سؤال: أية موازنة بين "الصحي" و"الاقتصادي" في قراراتها وإجراءاتها؟

وثمة أزمة سياسية مضافة، نجمت عن المراوحة في ذات المكان، إذ برغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على استئناف الحياة الحزبية والبرلمانية في البلاد، ما زلنا في جدل حول "جنس الملائكة"، ونقف عاجزين عن الإجابة على سؤال: بِمَ نبدأ؟ ...والفضاء العام الذي انفتح على مصراعيه مع بداية الربيع العربي، عاد للانكماش من جديد، أزمة لم تهدأ في علاقة الدولة بالإخوان المسلمين، ومشكلات لا تُحل مع النقابات المهنية والمجتمع المدني، وآخرها: أزمة نقابة المعلمين.

ويزيد المشهد تعقيداً، الشعور بعجز الدولة عن "المبادرة" وتحقيق الاختراقات على أي من هذا المسارات الحيوية الثلاثة: الوبائية والاقتصادية والسياسية...ومن أسفٍ، فإن حالة العجز الموصوفة، لا تعود لنقصٍ في المعرفة والخطط والاستراتيجيات والبرامج، بل لنقص في الإرادة والكفاءة على حد سواء...نقص في الجرأة على تسمية المشكلات بأسمائها، والتصدي بلا تردد للحلول الجذرية الشاملة، التي وإن ارتفعت كلفها في البدء، إلا أنها وحدها، تفتح طريق الخلاص للأردن والأردنيين.

في المقابل، ثمة "أزمة في القاعدة"، حالة الغضب والاحتقان التي تعيشها "الجماهير" الأردنية، غير مسبوقة، وأشكال التعبير عنها، من تمرد على قوانين الدفاع وحظر التجوال، فضلاً عن السقوف المرتفعة لشعاراتها، لا تنتمي إلى الأشكال التقليدية المعروفة، للتعبير عن الغضب والاحتجاج، تغذيها بالطبع، صرخات ودعوات غرائزية، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب.

والأخطر من كل هذا وذاك، أن منسوب الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة على اختلافها، يسجل أدنى مستوياته...وثمة أزمة ثقة بين المواطنين أنفسهم، في تآكل متسارع وخطير لرأس المال الاجتماعي، وتلكم بحد ذاتها، مسألة تستدعي التوقف والتأمل.

إذن، هي "أزمة عامة مركبة"، من فوق ومن تحت، تدفعنا للعودة مجدداً للسؤال عمّا نحن مقبلين عليه، وكيف ستتفاعل الأحداث والتطورات، وأين ستنتهي...هنا، يمكن المرور، ولو بعجالة، على مكونات القوى والأطراف المؤثرة في صياغة الرأي العام والمُشكلة لاتجاهاته وتوجهاته: "فرسان الجملة الثورية" من نشطاء السوشيال ميديا وخبراء البث المباشر، شعبويون باحثون عن مطمع ومطمح، أحزاب هزيلة، وقوى إسلامية لم تخرج بعد، من أزمات "ما بعد الربيع العربي"، مجتمع مدني مبعثر، وبأجندات ضامرة، تصوغها مصادر التمويل، ولا تتماشى بالضرورة مع أولويات الأجندة الوطنية، طبقة وسطى تجاهد في سبيل الاحتفاظ بمكانتها، ومن دون نجاحات تذكر، نقابات مهنية، منهكة بعد سنوات من الصراع مع الحكومات المتعاقبة حول "المهننة" و"التسييس"، نقابات عمالية في غيبوبة طويلة، بنية عشائرية – حمائلية منتفخة، تجعل الحديث عن "مشروع وطني مدني ديمقراطي"، ضرباً من التمني.

في هذه المناخات، نستحضر ما كان غائباً عن سجالات السبعينات: "سيناريو الفوضى"، فالدعوة للثورة في الحالة الأردنية، ترفٌ فائض عن الحاجة، وهي ليست مطلباً شعبياً أردنياً على أية حال، وستفقد شرطيها، الذاتي والموضوعي، إن استيقظ أهل الحكم والنظام على "قرع ناقوس الخطر"، واستعادوا بعضاَ من المبادرة والمبادءة، واستجمعوا الجرأة والشجاعة على تسجيل اختراقات على مسار التصحيح والإصلاح...ثم، أن أحداث العقد الفائت، أثبتت بالملوس، أن "التغيير" وليس "الثورة" هو ما ترغب به غالبية الأردنيين، وإن إصلاح النظام، وليس إسقاطه، هو الشعار الذي حكم توجهات الشارع الأردني، بخلاف ما كان يحصل في كثيرٍ الشوارع العربية.

كل هذا صحيح، حتى الآن على الأقل، لكن ما هو صحيح كذلك، أن المجتمعات المفقرة والغاضبة، قد تنزلق من حيث لا ترغب، إلى سيناريوهات لا تحمد عقباها، ومن بينها سيناريو الفوضى، فهل يظنن أحدٌ أن الليبيين أو اليمنيين أو السوريين، قرروا السير بأقدامهم نحو منزلقات الفوضى والخراب؟ ...حالة الإحباط والاحتقان، يمكن أن تذهب بدول ومجتمعات إلى حيث لا تشتهي، سيما بوجود أطراف متربصة، لها مصلحة عميقة، في إعادة رسم خرائط الجغرافيا والديموغرافيا.

وبغياب الحوار الوطني، الشامل والجدي، فإن لعبة التلاوم بين السلطة والمعارضة، قد تُجهز على الطرفين معاً، ومن ورائهما الشعب برمته، وقد تفتح الباب رحباً أمام "أطراف ثالثة ورابعة" لملء الفراغ...ولا يكفي هنا أن نتحدث عن "أجندات مشبوهة" داخلية أو خارجية، أو نلقي باللائمة على "الفتن النائمة" ونكتفي بلعن من أيقظها...فما لم تبادر الدولة، إلى إطلاق مشروع وطني، يملأ الفراغ، ويبدد الاحتقان، ويمد جسور الثقة مع المواطنين، ويعيد "رسملة" رأس المال الاجتماعي الأردني، فلن يكون الانزلاق إلى "سيناريو الفوضى"، مستبعداً أبداً.

لقرابة خمسين عاماً، وأنا أتابع شخصياً، تطورات المشهد الأردني بمختلف تعقيداته، ولا أذكر أن البلاد والعباد، قد مرّوا بظرف مشابه لما يمرون به هذه الأيام...بيد أنني، لاحظت، أن "عقل الدولة وإرادتها"، غالباً ما كانا يستيقظان ويتحركان بقوة ونشاط، قبل فوات الأوان، وأن منسوب المسؤولية والحس الوطني الرفيع عند الأردنيين، الذي بنوا وطناً ودولةً على خطوط التماس مع مختلف أزمات المنطقة وحروبها وصراعاتها، غالباً .ما كان يتغلب على مشاعر الغضب والإحباط...على هذين العاملين أراهن، وهما وحدهما، ما يُبقيان جذوة الأمل مشتعلة
    

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شيءٌ من السبعيناتعن الثورة والفوضى والأزمة المركبة شيءٌ من السبعيناتعن الثورة والفوضى والأزمة المركبة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates