اتصالات أردنية إسرائيلية مكثفة في مغزى التوقيت ودلالة الرسائل

اتصالات أردنية إسرائيلية مكثفة.. في مغزى التوقيت ودلالة الرسائل

اتصالات أردنية إسرائيلية مكثفة.. في مغزى التوقيت ودلالة الرسائل

 صوت الإمارات -

اتصالات أردنية إسرائيلية مكثفة في مغزى التوقيت ودلالة الرسائل

عريب الرنتاوي
بقلم - عريب الرنتاوي

كثافة الاتصالات رفيعة المستوى بين الأردن وإسرائيل خلال الأسابيع القليلة الفائتة، بدت لافتة لانتباه المراقبين، وثمة أسئلة وتساؤلات عن مدى جديتها وجدواها، وما الذي يريده طرفاها منها في هذا التوقيت بالذات، فبعد سنوات أربع من "الكمون" السياسي، عاودت الدبلوماسية الأردنية اتصالاتها المكثفة مع الجانب الإسرائيلي، وصحيح أن قنوات التواصل والتنسيق الأمني لم تتوقف عن العمل، لكن المراقبين السياسيين لم يلحظوا أية "حرارة" على خط العلاقات والاتصالات السياسية رفيعة المستوى بين الجانبين.

بغياب "المعلومة" من الجانب الرسمي الأردني، بات الإعلام الإسرائيلي المصدر الوحيد لتسريب أخبار هذه اللقاءات، وقد كشفت مصادره أن الملك عبد الله الثاني استقبل في عمان نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، وأن وزير خارجيته أيمن الصفدي اجتمع ثلاث مرات مع نظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي على الجانب الأردني من الجسر الذي يربط الأردن بالضفة الغربية، الأمر الذي دفع المراقبين للتساؤل عما يجري في هذه الاجتماعات المكثفة، ولماذا اختار الأردن هذا التوقيت، قبل أسابيع من انتخابات مبكرة رابعة في إسرائيل، وعشية زيارة مرتقبة لواشنطن، من المقرر أن يلتقي خلالها الملك بالرئيس الأميركي جو بايدن؟

والحقيقة أن الأسئلة لم تتوقف عند هذا الحد، فثمة من تساءل عن السبب وراء إقدام عمان على "تحاشي" رئيس الحكومة "القوي" وفتح قنوات اتصال مع وزيرين في حكومته، ينتميان لحزب أزرق أبيض، الذي ترجح استطلاعات الرأي العام في إسرائيل، أن يأتي في "ذيل" قائمة الأحزاب والكتل البرلمانية في الكنيست القادم، هذا إن أمكن له أن ينجح في اجتياز "عتبة الحسم"، وهو أمر مشكوك فيه على أي حال.

ثمة من قال إن الأردن باختياره تنشيط قناة التواصل مع زعيمي أزرق أبيض، قبل أيام من انتخابات الكنيست في 23 مارس الحالي، إنما يسعى للتأثير على نتائجها وتدعيم فرص وحظوظ مرشحين يمكن العمل معهم لتفعيل خيار "حل الدولتين" الذي يعطيه الأردن جل اهتمامه، وبرغم أن كل من غانتس وأشكنازي حاولا استثمار علاقتهما بالقيادة الأردنية في حملتهما الانتخابية، والقول بأنهما، وليس نتانياهو، بمقدورهما المحافظة على علاقة مع "شريك مهم" كالأردن، إلا أن المراقبين يقللون بشدة من أثر هذا التطور في تشكيل اتجاهات التصويت لدى الناخب الإسرائيلي، فلا السياسة الخارجية بعامة، ولا القضية الفلسطينية بخاصة، تحظى بأولوية على قائمة أولويات الناخب الإسرائيلي، المشغول أساساً بملفات الاقتصاد وكورونا والعلاقة مع واشنطن والنووي الإيراني، فضلا عن "فضائح نتانياهو" وإن بدرجة أقل من الأهمية.

في ظني أن مؤسسة صنع القرار في الأردن تدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك، لكن عمان التي تنفست الصعداء مع قدوم إدارة بايدن، تريد أن تغادر "مربع التهميش" الذي وجدت نفسها فيه خلال سنوات ترامب الأربع، وأنها تعتقد أن لديها فرصة لتفعيل دورها وحضورها المميزين، أقله في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وأن من "لزوميات" الاستعداد لأول قمة يعقدها العاهل الأردني مع الرئيس بايدن، أن يعيد الأردن بناء صورته ودوره، بوصفه لاعبا رئيسيا في عملية السلام.

يبدو أن نسج "عرى الشراكة" مع إدارة بايدن، كان هدف هذه اللقاءات، وليس "الوهم" بتغيير نتائج انتخابات الكنيست القادمة. ويمكن أن نضيف أن تنشيط قنوات الاتصال السياسي رفيع المستوى مع الجانب الإسرائيلي، يستكمل تحركا أردنيا نشطا دار حول أربعة دوائر متداخلة.

الأولى فلسطينية، وتشمل حث الفلسطينيين على ترتيب بيتهم الداخلي (المصالحة والانتخابات) والعودة عن قرارات "غير مرغوب بها" من نوع وقف العمل بالاتفاقات والتنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، وتخفيف حدة الحملة الفلسطينية على التطبيع واتفاقات إبراهيم، وحثها على إعادة سفيري فلسطين إلى أبوظبي والمنامة.
والثانية عربية وتتركز على محور عمان القاهرة أبوظبي الرياض والجامعة العربية، والثالثة دولية على محور "رباعية ميونيخ" والعواصم الأوروبية وموسكو، أما الرابعة فإسرائيلية بامتياز كما سبق وأسلفنا. ودائما بهدف تهيئة التربة لتحرك أميركي محتمل ومرغوب، لاستنقاذ "حل الدولتين".

لم يكن خافيا على أحد أن "لا كيمياء" بين العاهل الأردني ورئيس الوزراء الإسرائيلي، فالأخير لطالما أظهر استخفافا بمصالح الأردن ومشاعر الأردنيين، ولم يحترم التزاماته التي قطعها للملك، بعد واقعة مقتل أردنيين على يد حارس السفارة الإسرائيلية في عمان في 23 يوليو 2017، فبدل أن يحال القاتل إلى التحقيق والمحاكمة، استقبل في مكتب نتانياهو استقبال الأبطال، ما استثار مشاعر السخط والغضب عند الأردنيين.

هذه الواقعة وما تستبطنه من سلوك استعلائي، لا تختصر المسألة برمتها، فنتانياهو هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الوحيد منذ توقيع معاهدة السلام عام 1994، الذي سمح لنفسه بانتهاك سيادة الأردن على عاصمته، عندما أرسل فريق اغتيالات من الموساد لاستهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة الأردنية، ما وضع العلاقة الأردنية الإسرائيلية بعد أقل من ثلاث سنوات من إبرام المعاهدة أمام منعطف حرج، عندما وضع الملك الحسين الراحل، المعاهدة في "كفة" و"الترياق" المطلوب لإنقاذ حياة خالد مشعل من السموم التي غرسها الموساد في جسده، في "كفة" ثانية.

"الكيمياء" وحدها لا تختصر العلاقة الشائكة والمتشعبة بين الأردن وإسرائيل في سنوات حكم نتانياهو الطويلة، فالرجل الذي شغل هذا المنصب أكثر من غيره من القادة الإسرائيليين، لم يؤمن يوما بـ"حل الدولتين"، وهو يشارك اليمين الديني والقومي المتطرف أحلامه التوسعية في ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، بما فيها غور الأردن، وهو لطالما ألحق أفدح الضرر بالوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية، من خلال الصمت عن، أو تشجيع المستوطنين واليمين الديني على تكثيف انتهاكاتهم للحرم القدسي الشريف، ونتانياهو مسؤول شخصيا عن تعطيل عدد من المشاريع المشتركة الاستراتيجية، التي كان الأردن يعول عليها، مثل مشروع نقل المياه من البحر الأحمر للبحر الميت، ومطار العقبة الدولي الذي أنشأت إسرائيل مطارا مماثلا له على بعد كيلومترات قليلة فقط.

وإلى أن جاءت إدارة ترامب، التي منحت نتانياهو "شيكا على بياض"، وتبنت رؤيته وروايته للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسخرت من الرؤية الأردنية التي تعطي مكانة مركزية للقضية الفلسطينية، وتؤكد على وجوب حلها أولا، لتأتي بعد ذلك "صفقة القرن"، فتضع الأردن في أضيق الزوايا الحرجة، مهددة أعمق مصالحه في الحل النهائي لهذه القضية، وليتأكد الأردن بأن حكومة نتانياهو وإدارة ترامب، لا تمانعان بحل نهائي، لا ينتقص من مصالح الأردن فحسب، بل ويلحق بها ضررا فادحا، وتحديدا في ملفات القدس والحدود واللاجئين وغيرها.

وتوج هذا المسار بعد فترة وجيزة بالتوقيع على اتفاقات إبراهيم، وما عناه ذلك للأردن، من تراجع في مكانته الحصرية بين إسرائيل والخليج، سيما بعد أن طورت حكومة نتانياهو نظرة لتلك الاتفاقات كبديل عن السلام مع الفلسطينيين، مدعومة بمواقف مماثلة لأركان أساسيين من فريق ترامب الرئاسي المولج بهذه المهمة.

يرتكز الاهتمام الأردني في سنوات بايدن الأربع المقبلة في البيت الأبيض على تحفيز الإدارة وتشجيعها على استثمار الوقت والجهد والموارد للدفع نحو "حل الدولتين"، باعتبار أن بايدن ربما يكون "الفرصة الأخيرة" أمام تسوية كهذه، وبذل الأردن جهدا مبكرا لتعبيد الطريق أمام هذه الإدارة لثنيها عن ترددها، ورفع منسوب اهتمامها بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، من المؤكد أن العلاقة الأردنية الإسرائيلية ستشهد زخما إضافيا بعد الانتخابات الإسرائيلية، سواء فاز نتانياهو بولاية سادسة، أو اضطر لأسباب انتخابية أو قضائية لمغادرة المسرح السياسي، وستجد عمان نفسها مضطرة لإنهاء "الفيتو" المشهر في وجه اللقاءات (وحتى المكالمات الهاتفية) مع نتانياهو، في حال نجح في تشكيل حكومة جديدة، وهو سيناريو لا تستبعده استطلاعات الرأي العام، بل ترجحه رغم مصاعبه.
وفي ظني أنه يمكن النظر للاجتماعات واللقاءات مع غانتس وأشكنازي على أنها محاولة لـ"تسخين ما برد" من قنوات وخطوط التواصل مع الجانب الإسرائيلي، استعدادا لحركة قريبة أكثر نشاطا، وفي الاتجاهين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اتصالات أردنية إسرائيلية مكثفة في مغزى التوقيت ودلالة الرسائل اتصالات أردنية إسرائيلية مكثفة في مغزى التوقيت ودلالة الرسائل



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates