رسائل من طهران وإليها

رسائل من طهران وإليها

رسائل من طهران وإليها

 صوت الإمارات -

رسائل من طهران وإليها

بقلم : عريب الرنتاوي

ترصد الرادات السياسية والأمنية الإيرانية، ملامح مرحلة جديدة من المواجهة مع الولايات المتحدة ... قد تكون طهران مطمئنة لسلامة واستقرار اتفاقها النووي مع مجموعة (5 + 1)، باعتباره أمراً واقعاً يصعب الانسحاب منه أو شطبه بـ «بأمر تنفيذي» كتلك التي أصدرها دونالد ترامب منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض ..

. لكن الأكثر مدعاة لقلق وتحسب الإيرانيين، هو ذاك التحشيد الأمريكي ضدها بوصفها «أكبر راعٍ للإرهاب في العالم»، والذي يستهدف من ضمن ما يستهدف، تحجيم الدور الإقليمي لطهران، وبناء جبهات ومحاور إقليمية ودولية لمواجهتها.

في هذا السياق، وعلى هذه الخلفية، جاء انعقاد المؤتمر السادس لدعم فلسطين في طهران يومي 21 – 22 شباط فبراير الجاري

... حشدت طهران ما يقرب من الألف مشارك من خارجها، ثمانون وفداً من ثمانين دولة، من بينهم 20 رئيس برلمان، و18 نائب رئيس، وعشرات المدعوين من سياسيين وأكاديميين ونواب ورجال سياسة وممثلي عن كافة الفصائل الفلسطينية من دون استثناء، فضلاً عن ممثلين لحلفائها في المنطقة، دولاً ومنظمات وحركات.

إعادة الأضواء للقضية الفلسطينية، واستعادة مكانتها المركزية للمؤتمر، هو العنوان الرئيس للمؤتمر، الذي يستبطن في طيّاته، عناوين أخرى، أهمها: أولاً؛ إن إيران ليست معزولة عن العالم كما يجري تصوريها، بدلالة هذا الحشد الذي ضم دولاً ومنظمات وشخصيات، لا يمكن تصنيفها بالصديقة أو الحليفة لإيران (الأردن على سبيل المثال) ... وثانياً؛ إن لدى إيران حلفاء وأصدقاء وأوراق، كفيلة بجعل مهمة خصومها في عزلها وتحجيمها أمراً شديد الصعوبة، إن لم يكن عصياً على التحقيق.

وربما لهذا السبب بالذات، اتخذ «الحشد المشارك في المؤتمر»شكل خليط غير متجانس، تصدر حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية القريبة من إيران المشهد والمنصة، وجلس إلى جانبهم رؤساء برلمانات لدول عديدة ... وذهبت الكلمات في شتى الاتجاهات ... حتى أن أحد قادة الفصائل الفلسطينية الهامشية، لم يتردد في لحظة اهتياج، عن كيل شتى الاتهامات والتهديدات لدول مشاركة في المؤتمر، وعلى أرفع المستويات، من بينها الأردن كذلك، الأمر الذي تسبب بحرج للضيوف والمضيفين على حد سواء، وخلق مناخاً من الاستياء والاستهجان، ترددت أصداؤه في جنبات المؤتمر، إذ كيف لرجل يعجز عن الوصول إلى مكتبه في مخيم اليرموك بدمشق، أن يدخل الأردن فاتحاً ومحارباً؟!

لقد بدا واضحاً أن أكثر ما يقلق طهران، هو المسعى الأمريكي لخلق «حلف ناتو» جديد، بمشاركة عربية فاعلة، إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة، وهو المشروع الذي كشفت صحيفة وول ستريت جورنال بعضاً من ملامحه، في تقريرها الشهير قبل عدة أيام ... تطور كهذا إن حصل، ستكون له مضاعفاته على دور إيران في عدد من ملفات المنطقة الرئيسة، وتحديداً في سوريا واليمن، وبدرجة أقل في العراق، حيث الحضور ممأسس ومتجذر على هذه الساحة، أكثر من غيرها من ساحات «حروب الوكالة» التي تدور في المنطقة.

وحتى من دون أن تصل مشاريع «التصدي للنفوذ الإيراني» حد الإعلان عن «ناتو إقليمي جديد»، فإن الرادارات الإيرانية ذاتها، تلتقط أكثر من إشارة مثيرة للقلق ... «الاستدارة التركية الثانية» تقلق إيران، والعلاقات بين أنقرة وطهران تمر في واحدة في أسوأ حالاتها منذ سنوات طوال ... والأخيرة ترصد التقارب الإيراني – الخليجي (السعودي) بعيون القلق والتحسب، وهي تتابع باهتمام الجهود التركية – القطرية لاحتواء حماس وإبعادها عن محور إيران في المنطقة، وليس بخافٍ على أحد أن علاقات الحركة الإسلامية الفلسطينية مع إيران، لم تعد أبداً إلى ما كانت عليه من قبل، فمناخات الفتور و»انعدام الثقة» تهيمن على هذه العلاقات، فلا حماس بصدد العودة من جديد إلى حلفها الاستراتيجي القديم، ولا إيران وحلفاءها لديهم الثقة بأن الحركة لن «تخذلهم» مرة ثانية، وعند أول سانحة.

الحشد «السنّي في المؤتمر، من سياسيين ورجال دين وأحزاب وفصائل، يعكس بدوره حجم القلق الإيراني من مغبة تفاقم الانقسام السنّي – الشيعي واستمرار حالة الاحتقان المذهبية في الإقليم برمته ... هي لعبة أو سلاح ذو حدين، قد يفيد إيران تكتيكاً ولبعض الوقت، في تعزيز حضورها في بعض من الساحات العربية، بيد أنها على المستوى الأبعد والأشمل، ستترتب عواقب وخيمة على إيران ذاتها، فهي أيضاً بلد «متعدد» قومياً ومذهبياً، ومهما تعاظم حضورها في المنطقة، ستبقى على مستوى العالمين العربي والإسلامي، طرفاً يمثل الأقلية المذهبية ... هنا يمكن القول، أن لعبة «الصراع المذهبي» بات مصدر قلق وتهديدا لكل المنخرطين فيها، وعلى ضفتي المواجهة من دون استثناء.

مؤتمر طهران، إذا تزامن مع انعقاد مؤتمر إسطنبول الذي تقوده حماس برعاية تركية – قطرية، ومع التحضيرات الجارية لانعقاد مؤتمر القاهرة للمنشقين عن حركة فتح الفلسطينية وبرعاية مصرية - إماراتية، يشي بأن فلسطين ما زالت ساحة تجاذب بين الأطراف الإقليمية والمحاور المتنافسة في المنطقة، ويعكس حرص كل محور منها على كلمة مسموعة في تقرير مساراتها ومستقبلاتها، والأهم من كل هذا وذاك، فإن «زحام المؤتمرات» هذا، يعكس «صلاحية» فلسطين كمصدر للشرعيات، وكمتراس متقدم للدفاع عن خيارات المحاور وأولوياتها، واستتباعاً مصالحها.

الفصائل أو بالأحرى العشائر الفلسطينية حضرت المؤتمر بخطابها القديم – المتقادم، بعضها على الأقل، أكثرت من الدعوات والنداءات لوحدة العالمين العربي والإسلامي خلف فلسطين وتحت رايتها، وهي ذاتها عاجزة عن إخفاء «صراع الضواري» فيما بينها، بل وتحولت منصة المؤتمر، إلى ساحة للتراشق بالاتهامات التي ستجعل الوحدة الوطنية أمراً متعذراً، فكيف للذين استعصى عليهم التوحد تحت سقف مشترك، أن يطالبوا 57 دولة إسلامية التوحد خلف مشروع واحد؟!

المشاركة الأردنية في المؤتمر، انطوت على رسائل ومعاني هامة ... عمان ليست بوارد القطع أو القطيعة مع طهران، قنوات التواصل والتمثيل ما زالت سالكة في الاتجاهين، لكن الأردن ليس بمقدوره مجاراة خطاب إيران ولا التجاوب مع «عروضها السخيّة»، خصوصاً في هذه اللحظة الإقليمية – الدولية المشحونة ... السعودية أهم حليف عربي – إقليمي للأردن، والولايات المتحدة أهم حليف دولي له، ومن دون المقامرة بالعلاقات الخاصة مع هذين الحليفين لا يمكن للعلاقة الأردنية – الإيرانية أن تستقيم وتتطور ... لكن نظرية «شعرة معاوية» التي حرص الأردن على تفعيلها في علاقاته مع طهران ودمشق، ما زالت تفعل فعلها، وهي بحاجة للتجديد والتمديد بين حين وآخر، وهذا ما فعله رئيس المجلس النيابي عاطف الطراونة والوفد البرلماني الذي زار طهران للمشاركة في المؤتمر والأهم إجراء محادثات ثنائية مع كبار المسؤولين فيها.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل من طهران وإليها رسائل من طهران وإليها



GMT 20:24 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 19:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 19:28 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

حتى لا تصرفنا أزمات الداخل عن رؤية تحديات الخارج

GMT 20:21 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيلي حيال الأردن

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates