بقلم - عريب الرنتاوي
كثرة من الفلسطينيين تعتقد أن "حل السلطة" هو الرد المتناسب على أي قرار إسرائيلي بـ"ضم" أجزاء من الضفة الغربية، بعض الفلسطينيين يعتقد أن "الحل" استحقاق متوجب قبل الضم وبالأخص بعده، بعضهم يرى أنه الرد الأقصى على "الضم الأقصى" وليس على "الضم الرمزي" الذي يجري التداول بشأنه مؤخراً في ضوء العوائق التي تجابه "الضم" وفقاً لخرائط صفقة القرن "المفاهيمية".
كثرة من الأردنيين كذلك، ترى أن "إلغاء المعاهدة"، هو الرد الأردني المتناسب مع قرار إسرائيلي يضع مصالح الأردن الاستراتيجية والحيوية في مهب "الوطن البديل" و"التوطين"، إن بسبب تعطيل "حق العودة" أو جراء موجات جديدة من التهجير الجماعي أو "النزف المتدرج"...بعضهم لا يرى ذلك من منطلق أن إلغاء المعاهدة بات مطلباً لأقصى اليمين في إسرائيل ولا يتعين علينا أن نساعده على تحقيق مراميه...قلة ذهبت بعيداً فأبقت الباب مفتوحاً لخيار عسكري.
هل تستجيب السلطات على ضفتي النهر لمواقف "الكثرة"، فتقدم غرباً على "حل السلطة" وشرقاً على "إلغاء المعاهدة"؟ ...في ظني أن الأمر مستبعد للغاية في الحالتين، مع أنه ليس أمراً مسحوباً من التداول، فالتطورات إن دخلت في حلقة مفرغة من "الأفعال وردود الأفعال المقابلة" قد تقود إلى مثل هذه النتيجة...في ظني أن عمان ورام الله، ليستا بهذا الوارد الآن، وقد لا تكونان بصدده في المستقبل المنظور.
على أن ذلك لا يمنع السلطة الفلسطينية، من وقف كافة أشكال التعاون والتنسيق (ليس الأمني فقط) مع إسرائيل، حتى وإن أدى الأمر إلى تعطيلها عن أداء وظائفها، وربما التوطئة لانهيارها...هذا السيناريو تتحدث به رام الله، لكنها لا تتحدث به بوصفه موقفاً قطعياً ونهائياً، ولا بوصفه جزءا من استراتيجية أوسع وأشمل لمواجهة الاحتلال والعنصرية والاستيطان.
هذا السيناريو إن جرى اعتماده رسمياً والثبات عليه لبعض الوقت، قد يحمل في طياته واحداً من أمرين: انهيار السلطة أو دفع إسرائيل للإجهاز عليها بعد أن تكون قد فقدت قيمتها ومبرر وجودها إسرائيلياً...لكن هذا السيناريو مع ذلك، يُبقي الباب مفتوحاً وإن لحين، للوهم والرهان...وهمٌ فلسطيني بإمكانية العودة إلى مسار التفاوض والحل المستند إلى "حل الدولتين"، ورهانٌ إسرائيل على عودة السلطة عن قراراتها، إن بسبب الخشية من الانهيار أو بفعل بروز تطور جديد يعيد إحياء الوهم العابث من جديد.
أما في الحالة الأردنية، فإن "إلغاء المعاهدة" يعني العودة لـ"حالة الحرب" مع إسرائيل، وحالة الحرب لا تعني الذهاب إلى الحرب تلقائياً، بيد أنها تفتح الباب لذلك...وبقاء المعاهدة، كما الامتناع عن "حل السلطة" يُبقي الباب مفتوحاً للوهم والرهان...وهم أردني بإمكانية عودة المياه إلى مجاريها مع إسرائيل، حتى بعض الضم الجائر لمناطق واسعة من الضفة، ورهان إسرائيلي على عودة الأردن عن قراراه، إن بسبب الخشية من عواقبه وعقابيله، أو لجهة الرهان على ما ستأتي به قادمات الأيام من تطورات تعيد وصل ما انقطع من مسار السلام المتعثر منذ أزيد من ربع قرن.
في الحالتين، الفلسطينية والأردنية، لا ينبغي بحال الأخذ من دعوات أقصى اليمين الإسرائيلي مبرراً لدفعنا للتردد في اتخاذ خياراتنا الصحيحة، أياً كانت هذه الخيارات...اليمين المتطرف يرفض صفقة القرن كذلك، فهل نقبلها حتى لا نجد أنفسنا مع ممثليه، في خندق واحد؟...اليمين المتطرف يريد "تفكيك السلطة" فهل نستمسك بها حتى وإن توفرت لنا القناعة بأنها عبء علينا لا ذخر لقضيتنا؟...اليمن لا يريد المعاهدة، فهل هذا مبرر كافٍ لتجنب إلغاءها أو تعليق العمل بها؟