ماذا بعد هجاء الديمقراطية

ماذا بعد "هجاء" الديمقراطية؟

ماذا بعد "هجاء" الديمقراطية؟

 صوت الإمارات -

ماذا بعد هجاء الديمقراطية

عريب الرنتاوي
بقلم - عريب الرنتاوي

سنمضي حتى النهاية في مجاراة القائلين بسقوط الديمقراطية و"الديمقراطية تخلع أقنعتها"، تعقيباً على الأحداث والتطورات العاصفة التي شهدتها الولايات المتحدة... فهي فعلاً "عشرة أيام هزت واشنطن"، بل والعالم بأسره.
 
سنبدأ بالاتفاق مع هؤلاء في قولهم بفشل "النظام الأمريكي" في استئصال آفة "العنصرية"، والعنصرية سلوك وثقافة ونظرة نمطية مؤسسة على بنية اقتصادية اجتماعية تمييزية، تتخطى تجاوزاً فردياً لشرطي هنا أو سلوكاً متعالياً لقاضٍ هناك... "العنصرية" "بقعة سوداء"، تلطخ ثوب ساكن البيت الأبيض، وشرطي مينيابوليس على حد سواء، فكلاهما مسكونين بالعنصرية البغيضة، تارة ضد العرب والمسلمين، وأخرى ضد المكسيكيين واللاتينيين، ودائماً ضد أصحاب البشرة الملونة.
 
ونوافق على أن إدارة ترامب للأزمة الأخيرة، كانت تشبه إلى حد كبير، تجارب ديكتاتوريات وأنظمة شمولية وجنرالات، في إدارة أزمات حكمهم لشعوبهم: استخدام مفرط للقوة، دعوة للجيش لاحتلال الشوارع والميادين، تنصل من المسؤولية وإلقاء اللائمة على أي جهة أخرى، "حالة إنكار" منقطعة النظير لأسباب الأزمة وسياقات تفاعلها، استخدام مبتذل للرموز الدينية، وغير ذلك مما نعرفه وألفناه في هذه المنطقة من العالم.
 
لكن السؤال الأهم: هل وقف "النظام الأمريكي على اتساعه"، والنظام هنا ليس البيت الأبيض وحده، ولا الرئيس الأمريكي وإدارته التنفيذية فقط، هل وقف هذا النظام صامتاً، متواطئاً، يرقب ما يحدث بكثير من القبول والتأييد، وربما التورط في صياغة بعض فصوله؟
 
رأينا رجال دين وكنيسة يستنكرون ما فعله ترامب حين رفع "الإنجيل" بصورة استعراضية / استخدامية، أمام كنيسة على مقربة من البيت الأبيض.... رأينا مارك إسبر والبنتاغون وجيمس ماتيس وجنرالات آخرون، يرفضون الزج بالجيش في مواجهة مع المتظاهرين... رأينا الإعلام الأمريكي يخوض أشرس المعارك ضد سلوك الإدارة، باستثناء محطات ووسائط محسوبة على ترامب وعتاة اليمين... رأينا المجتمع المدني، أبيض وأسود ومن مختلف الألوان، يخرج في أكثر من مئة مدينة متظاهراً مندداً، مطالباً بالإصلاح... رأينا "العدالة لجورج فلويد" تنتصر، والجناة في قفص الاتهام... أليس هذا كله، هو الوجه الآخر للديمقراطية الأمريكية التي يتهدد ترامب بشعبويته الطافحة؟
 
أيها السادة؛
الديمقراطية ليست نظاماً مثالياً، على حد تعبير أكبر قادة المجتمعات الديمقراطية ومنظريها، بيد أنها نظاماً يمتلك القدرة والأدوات على تصحيح نفسه بنفسه، وإن بعد حين، وأحياناً بأفدح الأثمان... الديمقراطية ليست "نهاية التاريخ"، ولا هي "انتصار الرجل الأبيض"، بل النظام الذي اهتدت إليه البشرية بعد قرون وعقود من التعسف والاضطهاد والديكتاتورية والفاشية والشمولية والعبودية... الديمقراطية جاءت بدونالد ترامب، وهذه شهادة على أكبر مثالبها، وسبق لها أن جاءت بحكام شعبويين وفاشيين إلى السلطة، وجاءت بأحزاب دينية شمولية كذلك، لا تنسوا الأمر... الديمقراطية نظام يعتمد عدّ الرؤوس بدل تقطيعها، وهذا أضعف الإيمان.
 
لكن قبل أن نمضي بعيداً في هجاء الديمقراطية، دلونا على نظام سياسي بديل أفضل... تقدموا باقتراحاتكم المفيدة من أجل تخليص العالم من الديمقراطية المأزومة والمتجردة من أقنعتها... نحن نعرف النظم الأخرى، وقد خبرنا كثير منها في هذه المنطقة: نظم دينية وعسكرية وسلالية، نظم التمديد والتجديد والتوريث، نظم شمولية ماركسية، إسلامية وفاشية، نظام "ولاية الفقيه" و"الحاكمية لله"، نظام الملالي في أفغانستان، وأنظمة البيعة والسمع والطاعة لأولي الأمر... نحن لا نعرف نظماً أخرى، وبهذا المعنى النسبي، دعونا نتحدث عن مأزق الديمقراطية عالمياً، ونتقدم بأفكار لتخليصها منه، بتطويرها وتحديث أدواتها، بدل أن نذهب إلى استصدار بطاقات النعي وشهادات الوفاة للحرية والتعددية والديمقراطية وحقوق الانسان.
    

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا بعد هجاء الديمقراطية ماذا بعد هجاء الديمقراطية



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:04 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 00:42 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 01:57 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عقبة تُواجه محمد صلاح وساديو ماني أمام برشلونة

GMT 05:18 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ريماس منصور تنشر فيديو قبل خضوعها لعملية جراحية في وجهها

GMT 17:03 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

استقبلي فصل الخريف مع نفحات "العطور الشرقية"

GMT 04:38 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

خدع بسيطة لتحصلي على عيون براقّة تبدو أوسع

GMT 01:20 2013 الأحد ,21 إبريل / نيسان

دومينو الـ10 ألاف "آيفون 5 إس" الجديد

GMT 01:14 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الإقامة الفاخرة في جزيرة جيكيل الأميركية

GMT 20:41 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

إريكسون يؤكد أن ساوبر أنقذت نفسها من موسم "كارثي" في 2017

GMT 10:32 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

دلال عبد العزيز تكشف عن تفاصيل دورها في "سوق الجمعة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates