بقلم - عريب الرنتاوي
أن تُصدر أعلى محكمة في البلاد، حكمها القطعي، غير القابل للنقض والاستئناف، ببراءة جميع المتهمين من جميع التهم المسنودة إليهم: "إساءة الأمانة واستثمار الوظيفة" في القضية المعروفة باسم قضية "جمعية المركز الإسلامي"، فذلك أمر مفعم بالدلالة ويفيض بالخلاصات التي لا يتعين تجاهلها أو القفز من فوقها:
منها ابتداءً، تلك المتعلقة بنزاهة القضاء الأردني وعدالته وشفافيته، برغم ما شاب عملية التقاضي من طول انتظار، فالقضية منظورة، بين أخذ ورد، استئناف وتمييز، منذ أزيد من أربعة عاشر عاماً، انتقل خلالها ثلاثة من المتهمين إلى جوار ربهم، أما البقية (21 متهم)، فقد عانوا ما عانوا من الظلم والاتهام والتشهير والشيطنة واغتيال الشخصية.
ومنها ثانياً، أن ما بُنبي على باطل، فهو باطل كذلك، والأصل أن تعود الأمور إلى أصلها، فتنتهي مرحلة "الهيئات الحكومية المؤقتة" التي تدير الجمعية منذ ذلك التاريخ، وفي غياب مبدأ التعويض في القضايا التي تحركها النيابات العامة في المنظومة القانونية الأردنية، فلا أقل من عودة "المصابين" في سمعتهم إلى مزاولة أعمالهم على رأس الجمعية، أقله إلى حين إجراء انتخابات، حرة ونزيه وشفافة للجمعية، لاختيار قيادة منتخبة جديدة تتولى إدارة هذا الصرح الكبير، والذي ربما يكون ثاني أكبر صندوق، غير حكومي في البلاد، بعد صندوق الضمان الاجتماعي.
ومنها ثالثاً، وضع المسألة برمتها في سياقها السياسي العام، وعنوان هذا السياق لا يقع في الجمعية المذكورة وملابسات قضيتها، بل في الانتخابات النيابية التي وقعت بعد عام واحدٍ فقط، من "وضع اليد" عليها، والتي أجمع مراقبون ومسؤولون حكوميون، سياسيون وأمنيون، بمن فيهم رئيس الحكومة التي أشرفت على الانتخابات ذاتها، بأنها شهدت أوسع عمليات "تزوير" لإرادة الناخبين، حتى وإن سعى كثيرون منهم، إلى التنصل من المسؤولية عن هذه الفعلة النكراء وتحميل تبعاتها لجهات ومراكز أخرى.
وفي ظني أن مندرجات القرار القضائي، تقتضي كذلك، ومن ضمن ما تقتضي، تكليف جهة مستقلة ومحايدة، خبيرة ومستقلة، لمراجعة أنشطة الجمعية خلال السنوات الأربع عشرة الفائتة، لفرز ما هو "كيدي وسياسي" منها، عمّا هو منسجم مع "تفويض" الهيئات المعينة التي تعاقبت على إدارتها.
جمعية المركز الإسلامي، هي أكبر مؤسسة اجتماعية – تربوية – صحية – خيرية تعرفها البلاد، قدّر البعض موجوداتها بأكثر من مليار دينار، تأسست قبل قرابة الستين عاماً، وهي تكفل 20 ألف يتيم، وتدير 27 مدرسة، وتوظف أكثر من 3500 أردنياً وأردنية، ولديها شبكة خدمات صحية، يقودها المستشفى الإسلامي ويتبع له عشرات العيادات والمراكز الصحية، وثمة عدد كبير من المراكز والجمعيات المحلية التي تتبع "الجمعية الأم"، ولطالما نُظِر إليها بوصفها "الذراع الاقتصادي – الاجتماعي – الخيري" لجماعة الإخوان المسلمين.
"تأميم" الجمعية بوضع اليد عليها، لم يأت منفصلاً عن حالة الاحتقان والتوتر التي طبعت العلاقة بين "الدولة" و"الإخوان"، وهو القرار الذي مهّد لسلسلة لاحقة من القرارات والإجراءات التضييقية على الجماعة، وصولاً لقرار حلها ومصادرة ممتلكاتها، أما "الغطاء" أو "المبرر" الذي استخدم في حينه، لتبرير "مصادرة" الجمعية، فقد اعتمد على "الشك والاعتقاد والاستنتاج الشخصي" كما ورد في قرار التمييز، وهي نقطة لا تصب أبداً في صالح مفهوم "سيادة القانون" الذي جعلنا منه صنواً للدولة المدنية، فهل نجري المراجعة الضرورية لقرارات وممارسات من هذا النوع، ونحاسب المسؤولين عنها، أم أننا نميل لضرب صفح عنها، وطي صفحتها، وكأن شيئاً لم يكن...هنا، لا أتحدث عن ملابسات قضية الجمعية فحسب، بل وعن انتخابات 2007 كذلك.