بقلم - عريب الرنتاوي
لن تتاح لنا فرصة تقديم قراءة أعمق وأدق لنتائج انتخابات 2020 وتشكيلة المجلس النيابي الـ 19، إلا بعد مرور عدة أيام، وربما عدة أسابيع، يصار خلالها للغوص في دلالة الأرقام والنتائج، ومعرفة ما الذي يمكن أن تحمله من معاني وترمز إليه من دلالات، لكننا سنكتفي اليوم، بالوقوف عند عشر من أبرز الملاحظات:
الأولى؛ وتتصل بالمناخات التي سبقت الانتخابات، والسياق السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي – الأمني الذي عقدت فيه، وهنا يمكن الاكتفاء بالقول، أنها لم تجر في أحسن سياقاتها، وأن مناخات التضييق على حرية الرأي والتعبير والتأزم في علاقة النظام السياسي بقوة سياسي ونقابية وازنة (الإخوان ونقابة المعلمين) أناخت بظلالها على سير العملية، فيما زاد الطين بلّة، الانسحاب المفاجئ أو عدم قبول ترشيح عدد من الأسماء النيابية الكبيرة، والمعارضة في المجلس/المجالس السابقة.
الثانية؛ وتتصل بإجراءات الهيئة المستقلة، وسلاسة العملية الانتخابية، وحسن تدبير الأثر الصحي لجائحة كورونا، أقله داخل مراكز الاقتراع، حيث تنحصر "ولاية" الهيئة، ولا تتعداها إلى خارجها ... شهادة حق، أن العملية جرت وفقاً لمعايير رفيعة ومقدرة، تسجل للهيئة التي راكمت خبرات ومعارف كثيرة خلال العقد المنصرم على تأسيسها.
الثالثة؛ وتتعلق بنسبة الاقتراع: 29.9 بالمئة، وهي نسبة متدنية على أية حال، حتى قياساً بنسبة متدنية سابقة، سجلتها انتخابات 2016 (36 بالمئة)، بعض الأوساط، الرسمية خصوصاً، ردّت المسألة إلى جائحة كورونا، وهذا صحيح، بيد أنه صحيح جزئياً فقط، ويمكن الجزم بأنه ليس سبباً رئيساً لضعف الإقبال على الاقتراع، وفي ظني أن السبب الجوهري إنما يعود إلى تآكل ثقة المواطنين بالعملية السياسية، وبدور ومكانة المجلس النيابي، كمؤسسة ونواباً أفراداً، في نظامنا السياسي الأردني ... هنا الوردة فلنرقص هنا، ومن غير الجائز تحويل كورونا إلى "شماعة" نعلّق عليها أسباب انسداد مسار الإصلاح السياسي بعامة...فالانسداد سابق للجائحة، تفاقم في سياقاتها، وليس ثمة من مؤشرات دالّة على قرب استحداث اختراقات نوعية.
الرابعة؛ تآكل تمثيل حزب جبهة العمل الإسلامي (ذراع الإخوان المنحلّة) والحزب الأكبر في البلاد، وعودته إلى ما كان عليه تمثيله في برلمان 2007، الناجم عن واحدة من "أسوأ" الانتخابات العامة التي عرفتها البلاد...فَقَدَ الحزب (قوائم الإصلاح وغيرها)، أكثر من نصف تمثيله في البرلمان، وكان فقد الفرصة لزيادة مقاعده بالاعتماد على نظام الكوتا في غير دائرة ... هذا موضوع بحد ذاته، بحاجة لبحث مطوّل: هل فقد الإخوان شعبيتهم؟ ... هل أجهزت عليهم انقساماتهم المتلاحقة؟ ... هل ثمة "تدخلات" لحشر الإخوان في مساحة ضيقة تحت القبة؟ ... أسئلة وتساؤلات بحاجة لإجابات معمّقة.
الخامسة؛ يمكن القول، وبكثير من الأسف، أن انتخابات 2020، سطرت "شهادة احتضار" لأحزاب التيار القومي اليساري التي أخفقت في الوصول إلى قبة البرلمان، برغم ائتلافها وتقديمها للوائح ومرشحين في دوائر عدة، وحصولها على عدد قليل (محزن) من الأصوات ... الهزيمة مرة، ويبدو أن الأحزاب كانت تتوقعها، لذا استنكف معظم أمنائها العامين عن المشاركة في الانتخابات على رأس قوائمهم... هذه "التجربة المرة"، لا يجوز معها الاكتفاء بلوم "قانون الانتخاب"، مع أنه مُلام، ولا تحويل "المال الفاسد" إلى شماعة لتعليق الفشل، مع أن دوره في هذه الانتخابات كان بارزاً ... إلى جانب هذا وذاك، على الأحزاب أن تعكف على دراسة أسباب فشلها وتآكل شعبيتها في داخلها، إن هي أرادت الاستمرار في احتجاز موقع لها على الخريطة السياسية – الحزبية الأردنية.
السادسة؛ وتخص الأحزاب جميعها، تكاثر أعداد مرشحيها (حوالي 400 مرشح)، وكثرة أعداد قوائمها، لم يعن شيئاً في هذه الانتخابات، فهي بالكاد وصلت إلى قبة البرلمان، ولسنا نتهم أحداً إن قلنا إن "نظام المساهمة المالية" أسهم في حفز أكثر من 40 حزب سياسي على المشاركة، لكن أعين معظمها تسمّرت على "المنحة المالية" وليس على العبدلي.
السابعة: بعض الأحزاب التي حصدت نتائج ملموسة مثل "الوسط الإسلامي" وبعض أحزاب الوسط الوطنية الأردنية الأخرى، راعت في اختياراتها لمرشحيها على ما يبدو، "الحيثية العشائرية" للمرشح، فكان أن جمع صفته الحزبية إلى صفته العشائرية، فتحقق له الفوز ... العبرة في تكوين كتلة سياسية – برامجيه في المجلس القادم، تنطق باسم الحزب، ولا تذوب في رمال الكتل البرلمانية المتحركة، كما كان يحصل في برلمانات سابقة.
الثامنة؛ وتتعلق بمفهوم التجديد، حيث كثرة كاثرة من النواب يدخلون الندوة البرلمانية لأول مرة ... للمسألة هنا وجهان: إيجابي، ويعكس رغبة الأردنيين بالتجديد... والثاني؛ سلبي ويتعلق بأن التغيير يأتي من الحواضن ذاتها، وبالدوافع والأدوات ذاتها، أي أننا أمام تغيير في الأسماء والصور ولسنا امام تغيير يحمل في طياته بذور تغيير في السياسات والأداء والبرامج والأدوار ... قد يقول البعض أن هذا تقييم "ظالم" و"سابق لأوانه"، ربما، ولكننا لم نسمع عن برامج ورؤى قادت النواب الجدد إلى قبة المجلس.
التاسعة؛ انتخابات 2020 كانت بمثابة نكسة لنساء الأردن، بل وللأردن والأردنيين جميعا، برغم التزايد غير المسبوق في أعداد المرشحات، أقل من ربع صاحبات الحق بالاقتراع أدلين بأصواتهن، في سابقة غير مألوفة في تاريخ الانتخابات الأخيرة في الأردن، مقابل أكثر من ثلث أصحاب الحق بالاقتراع (36 بالمئة) الذي أدلوا فعلياً بأصواتهم في الصناديق ... تراجع نسبة تمثيل المرأة في البرلمان بغياب أي فائزة بالتنافس ... خسارة نائبات ومرشحات من العيار الثقيل في دوائر مختلف، واستنكاف أخريات عن الترشح للانتخابات مسبقاً ... ظاهرة يمكن ردّها جزئياً إلى كورونا وفرض الاغلاق الشامل لأربعة أيام تلي يوم الاقتراع ... لكننا بحاجة لإجراء مزيد من التنقيب والتمحيص في قراءتها وتفسيرها واستخراج دلالاتها.
العاشرة؛ على الرغم من "المجاهيل" و"المغاليق" التي تحيط بتركيبة المجلس التاسع عشر، إلا أننا نعتقد أن السمات الرئيسة التي طبعت مجالس الصوت الواحد، ستظل تفعل فعلها في المجلس الجديد، وربما نكون أمام نسخة غير مزيدة، وغير منقحة، من البرلمان السابق: "الفردية" هي العنوان، والكتل النيابية رمال متحركة، وأدوار رقابية وتشريعية متواضعة، ومكانة متأخرة في نظامنا السياسي النيابي الملكي، وغالبية مريحة مضمونة مسبقة للحكومات، وثقة شعبية متناقصة، والله أعلم.