ما بعد قمة الرياض

ما بعد قمة الرياض

ما بعد قمة الرياض

 صوت الإمارات -

ما بعد قمة الرياض

بقلم : عريب الرنتاوي

“الاختراق الكبير” الذي سجلته العلاقات الامريكية – المصرية بعد قمة ترامب – السيسي في البيت الأبيض مطلع الشهر الجاري، لم يكن كافياً لإحداث تغيير نوعي في موقف مصر وتوجهاتها حيال الأزمة السورية، بدلالة أن القاهرة نأت بنفسها عن الترحيب بالضربة الصاروخية الأمريكية لمطار الشعيرات، مثلما امتنعت عن إدانة النظام السوري عن جريمة خان شيخون، وفضلت المطالبة بالتحقيق الدولي النزيه والشفاف، ودعوة مختلف الأفرقاء لاعتماد “ضبط النفس”، وعدم الانزلاق لمواجهات غير مرغوبة.

والأرجح أن استئناف ضخ النفط السعودي المجاني لمصر، الذي سبق زيارة السيسي للرياض ومهد لها ، لن يكون سبباً كافياً لإحداث التحوّل “المرغوب” في السياسات المصرية حيال هذه الأزمة، فقد بدا واضحاً أن الاستراتيجية المصرية حيال سوريا، مستقرة، ومبنية على “عقيدة أمنية” تنظر إلى ما يجري في بلاد الشام، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

وسيتعين على المملكة أن تقبل “الاختلاف” مع جمهورية مصر العربية، حتى وهي تفكر بإقامة أوثق العلاقات “الاستراتيجية” معها ... وهذا ما يبدو أن الطرفين قد توافقا عليه، أو هما بصدد الوصول إلى تفاهم حوله.

وما ينطبق عن الأزمة السورية، ينطبق بدرجات متفاوتة على بقية أزمات المنطقة المفتوحة، حيث تختلف “أوزان” المصالح ونوعية الحسابات التي يجريها كل فريق، تبعاً لدرجة قرب أو بعد هذه الأزمات، وطبيعة مساسها بالحسابات والحساسيات الأكثر تأثيراً على أمن البلدين واستقرارهما ومصالح الحكومتين والنظامين.

في اليمن، لا تمانع القاهرة في إعلان انضمامها للتحالف العربي بقيادة المملكة في الحرب على اليمن، بيد أنها تضع لمشاركتها في هذا التحالف، ضوابط ومحددات، بعضها مستمد “من عقد التاريخ ودروسه القاسية”، وبعضها مشتق من أولويات القاهرة في هذه المرحلة ... لا مشكلة لدى القيادة المصرية في المشاركة البحرية والجوية في التحالف، وبحدود رمزية، ولا مشكلة في حماية الملاحة أو إجراء مناورات بحرية مشتركة ... لكن الانخراط على الأرض، وبقوات برية، كاد أن يصب زيتاً على نار الخلافات الثنائية، بعد تصريحات اللواء أحمد عسيري المعروفة، ورد مصر عليها، وتوضيحاته اللاحقة التي ساعدت في طي هذه الصفحة.

وثمة من يعتقد أن القاهرة تفضل القيام بدور “الوسيط” بين الأطراف المتنازعة في اليمن وعليه، على أن تقوم بدور “الفريق” المشارك في الحرب من الخندق السعودي، وأن ثمة عروضاً مصرية، لم نتأكد من جديتها بعد، للقيام بمثل هذا الدور، تجد صدى لها في واشنطن، وتقابلها أطراف سعودية بقبول حذر، شريطة ألا تبدو المسألة / التسوية في خواتيمها، كما لو كانت نصراً للحوثيين وجماعة الرئيس صالح ... أمرٌ كهذا مرفوض تماماً بالنظر لارتباطاته بديناميكيات الداخل السعودي، ومسألة السلطة وتراتبيتها.

تستطيع القاهرة أن تذهب مع الرياض إلى أبعد حد في “هجاء” السياسات التدخلية والعدوانية لإيران، التي تعبث بأمن المنطقة واستقرار دولها ووحدة شعوبها، وهي فعلت ذلك من قبل، وقد تفعله مرات أخرى من بعد ... لكن القاهرة، تميز بين علاقاتها مع إيران، وعلاقاتها مع بغداد، وهذه مقاربة لا تختلف عن المقاربة السعودية، ولا عن المقاربة الأمريكية ... الرياض انفتحت على بغداد وحكومة حيدر العبادي، وعلى أرفع مستوى، وواشنطن تقاتل إلى جانب حكومة العبادي وجيشه وقواته الأمنية، وحتى “حشده الشعبي”، دون ان تجد في ذلك ما يتعارض مع مواقفه العدائية، شديدة اللهجة حيال طهران.

القاهرة، وبعد توقف “أرامكو” عن ضخ النفط لمصر، أبرمت اتفاقاً ميسراً مع بغداد بهذا الشأن، وتبادلت الزيارات رفيعة المستوى مع الحكومة العراقية، واستقبلت وفد “التحالف الوطني/ الشيعي” بقيادة عمار الحكيم، ووفقاً لمصادر إيرانية فإن طهران رحبت بالاتفاقات النفطية المصرية – العراقية، وشجعت بغداد على الانفتاح على مصر (والأردن كما قالت المصادر قبل الأزمة الأخيرة بين عمان وطهران)، والسبب كما يقول مراقبون، تشجيع الدولتين على اتخاذ مواقف وسياسات، متمايزة عن السعودية، دونما خشية من أية تداعيات قد تنجم عن هذه المواقف والسياسات.

أولوية الحرب على الإرهاب، هي المحرك الرئيس للسياسة الخارجية المصرية، كما السياسة الداخلية بالطبع، وهذا أمرُ مفهوم في ضوء ما يجري في سيناء والوادي ... الأمر ليس كذلك بالنسبة للسعودية، التي تتصدر قائمة أولوياتها، مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة .... هذا لا يعني أن مصر ليست قلقة من تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، ولا أن السعودية غير معنية بالحرب على الإرهاب ... لكل ملف من الملفين وزناً مختلفاً لدى كل من العاصمتين، وسيظل هذا التباين في أوزان هذه الملفات وما يستتبعه من تباين في الأولويات، مصدراً لخلافات ثنائية، وعلى العاصمتين أن تقررا ما إذا كان بمقدورهما العمل سوياً رغم هذه الخلافات والتباينات، أو الوقوف عندها والعودة للتراشق السياسي والإعلامي.

يبدو أن القمة المصرية السعودية الأخيرة، والجهود الأمريكية المبذولة من خلف ستار، قد بلورت قناعة مشتركة بالعمل سوية، إن لم يكن بوحي من الإدراك للمصالح المشتركة، فتحت إلحاح الحاجة الأمريكية المستجدة للتعامل مع أكبر حليفين لواشنطن في المنطقة، إن لجهة تحجيم إيران وتقليم أظافرها أو لخدمة الحرب على الإرهاب، أو ربما لمعالجة واحتواء بعض الصراعات الإقليمية المندلعة في المنطقة، وأهمها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي تسعى إدارة ترامب في تظهير “نمطها” الخاص للتعامل معه، في إطار إقليمي، يسير بالتوازي والتزامن مع المسار الثنائي.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد قمة الرياض ما بعد قمة الرياض



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates