بقلم : عريب الرنتاوي
سأجازف بالقول ابتداءً: لولا قرار الحكومة "استدعاء السفير الأردني في تل أبيب للتشاور" باعتباره خطوة أولى، ولولا تلويح وزير الخارجية بخطوات إضافية لاحقة، لما رضخت سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمطالبة الأردنية بالإفراج عن هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي... أضيف إلى ذلك، أن قيام السلطات المختصة بإحالة "المتسلل" الإسرائيل للتحقيق، وليس إعادته تلقائياً من حيث أتى، بعث بدوره برسالة لا تقل صرامة عن قرار استدعاء السفير.
بعد ذلك، وبعد ذلك فقط، يمكن التوقف عن مروحة من واسعة من النشاطات والمطالبات والاحتجاجات التي صدرت عن مجلس النواب والأحزاب السياسية والمجتمع المدني ... يمكن التذكير بالحملة الوطنية الواسعة تضامناً مع الأسرى والمعتقلين والموقفين إدارياً ... يمكن استذكار حملات التضامن والدعم في فلسطين بطولها وعرضها ... يمكن استحضار الحملات الحقوقية الدولية الدافعة بهذا الاتجاه ... لكن "بيت القصيد" في الحراك السياسي والدبلوماسي الأردني، إنما تمثل في قرار استدعاء السفير والتلويح بالمزيد من الخطوات، في إشارة غير خافية على أحد، بأنها قد تشمل طرد السفير الإسرائيلي وربما ما هو أبعد من ذلك.
أمس عاد المواطنان هبة وعبد الرحمن، مجللين بأكاليل الغار، ومحاطين بفيض من مشاعر البهجة والفرح ... دخلت الفرحة منزل كل أردني، وعمرت قلب كل مواطن ومواطنة ... كان يوماً استثنائياً بامتياز، لم تكدر صفوه سوى تلك الفعلة الخائبة والمشبوهة في جرش، والتي لن نتحدث عنها بانتظار استكمال التحقيقيات وكشف الملابسات.
أمس، قطف الأردنيون ثمار التلاقي بين الإرادتين الرسمية والشعبية ... الشعب يهتف بحرية أبنائه وعودتهم سالمين غانمين إلى وطنهم وأهلم وذويهم ... والحكومة تردد صوت الناس، وتترجمه إجراءات وخطوات دبلوماسية حازمة، أفضت إلى ما أفضت إليه من نتائج ... تلكم قصة، يجب التوقف عندها، فهي لا تحدث كل يوم، ولا تحدث دائماً.
خذوا صفقة الغاز على سبيل... ثمة إرادة شعبية لإسقاطها بيد أن الإرادة الحكومية لفعل ذلك، لم تتخلّق بعد ... يتعين على الحكومة ملاقاة الرأي العام في مطالباته، سيما وأن بعض أركانها بات يدرك أنها صفقة جائرة، لا مطرح لها لزوم، وأن من شأنها تعميق اعتماديتنا على عدو نعتقد جميعاً أننا مقبلون على مواجهات شديدة معه، وفي ميادين شتى.
ثمة درس يتعين تعلمه مما حصل في الأسابيع القليلة الفائتة: إسرائيل لا تسمع إلا للأقوياء، لا تصغي لصوت العقل، بل لصوت القوة ... والأردن ليس ضعيفاً، لديه من أوراق القوة التي ما أن يقرر استخدامها، حتى تأخذ إسرائيل بتغيير مواقفها وتبديل مقارباتها ... نحن أمام "معركة صغيرة"، ولسنا أمام مواجهة ذات مغزى استراتيجي، بيد أنها مشبعة بالدلالات والإشارات، وتنهض شاهداً على ما يمكن أن نفعله في المستقبل ... رسالتنا لإسرائيل يجب أن تكون واضحة لا لبس فيها: "لا يمكن أخذ الأردن كطرف مضمون"، ولا يمكن الاستخفاف بما يمكن أن نقدم عليه، ولا يمكن التنبؤ بردود أفعالنا سلفاً ومقدماً.
ثمة في إسرائيل من لا يزال يقيم وزناً للأردن وأهمية موقعه ودوره ... أما "النخب" اليمينية والدينية فيها فعليها أن تدرك أن الأردن ليس في جيبة أحد على الإطلاق ... لقد أثار مواقف الأردن، ملكاً وحكومة وشعباً، الارتياح عند كثيرين، ولقد قرأت تعليقات إيجابية لكتاب وسياسيون لا يحتفظون بأحسن المشاعر حيال الأردن ... هذه الواقعة دفعتهم للإشادة بقوة الموقف الأردني، والثناء عليه، والتأكيد مجدداً بإن في إسرائيل "عالم تخاف ما تختشيش" على حد قول أحبائنا المصريين.