تركيا وطوفان اللجوء السوري إلى أوروبا

تركيا وطوفان اللجوء السوري إلى أوروبا

تركيا وطوفان اللجوء السوري إلى أوروبا

 صوت الإمارات -

تركيا وطوفان اللجوء السوري إلى أوروبا

عريب الرنتاوي

مثلما شرّعت تركيا حدودها البرية مع سوريا لكل إرهابيي العالم للعبور إلى سوريا والعراق (وما تزال)، ها هي تشرّع حدودها البحرية لعشرات ألوف اللاجئين السوريين لعبور المتوسط صوب أوروبا ... تركيا الآن، بعد ليبيا بالأمس، هي "بلد المنبع" الرئيس الذي تنبعث منه موجات اللاجئين، في أضخم زحف بشري تشهده البشرية منذ الحرب العالمية الثانية.

 تحت سمع وبصر أجهزة الأمن التركية، تنطلق قوارب الموت، وتُبرّم الصفقات من قبل مافيات الإتجار بالبشر... وعلى الموانئ التركية، يحتشد ألوف السوريين لأيام طوال بانتظار رحلة الذهاب بلا عودة، عيونهم شاخصة صوب بحر وصفه رجب طيب أردوغان، بأنه "مقبرة جماعية" لنساء سوريا وأطفالها، ومن دون أن تحرك سلطات أنقرة ساكناً.

 هم يهربون من جحيم الحياة في معسكرات الذل واللجوء، ومن المعاملة القاسية التي كشفت تقارير وسائل الإعلام والمنظمات بعضاً من فصولها البشعة، هم يهربون من حالة "الضيق الشعبي" بالاكتظاظ السوري، خصوصاً في المناطق الحدودية، ومن القيود القاسية التي تفرض على امتداد الحدود ونقاط العبور ... أنقرة التي أنشأت معسكرات لاستقبال اللاجئين، قبل أن تتحول الثورة السلمية في سوريا إلى مؤامرة دامية ومسلحة... أنقرة نفسها، ضاقت ذرعاً بمن ظنت أنهم سيكونون ورقة قوية بين يديها ذات يوم.

 ما الذي تريده تركيا من وراء تسيير قوافل الموت إلى الشواطئ الأوروبية؟
إنها ببساطة تبحث عن وسيلة لتسويغ وتسويق "المنطقة الآمنة" التي رفعت لواءها منذ أربع سنوات أو يزيد من دون جدوى... إنها تبعث برسائل إلى الدول الثماني والعشرين، مفادها أن ملايين اللاجئين في تركيا وعلى الحدود، سيتدفقون إلى القارة العجوز، إن لم تسارع دول الاتحاد الأوروبي إلى إعطاء "الضوء الأخضر" لتركيا لإقامة هذه المنطقة، التي قال أحمد داود أوغلو بالأمس فقط، بانها لا تجد تفهماً من قبل عواصم القرار الدولي حتى الآن.
 قوارب الموت، لا تنطلق من طرطوس واللاذقية، بل من الموانئ التركية، يمتطيها لاجئون سوريون في تركيا أساساً، وآخرون يغادرون سوريا إلى تركيا بطرق صعبة ومكلفة، من أجل الوصول إلى الضفاف الشمالية للمتوسط ... ولو أن تركيا قررت وضع حد لهذه المأساة، لكانت منعت مافيات "الرقيق الأبيض" من الإتجار بدماء السوريين وحيواتهم.

 والمفارقة النافرة حقاً، أن تركيا العدالة والتنمية، هي أكثر من تحدث عن "المنظومات القيمية" التي تحكم سياساتها وسلوكها، وبهذه المنظومات، بررت مواقفها غير المفهومة من العديد من الأزمات العربية ... لكن تركيا هذه، هي أول، وأكثر، من بادر إلى انتهاك هذه المنظومات، وضربها عرض الحائط ... فتحت حدودها لـ" داعش" على مصراعيها ابتداءً، لزرع الموت والخراب في سوريا والعراق، وقد نجحت في ذلك نجاحاً باهراً ... وهي تفتح حدودها اليوم لتجار الموت والرقيق، وقد نجحت في ذلك أيما نجاح كذلك ... في المرة الأولى، صارت داعش قضية العالم بأسره، وفي المرة الثانية، تحوّل اللاجئون إلى قضية العالم بأسره كذلك.

 ولتركيا هدف دعائي آخر من وراء تسهيلها وتشجيها طوفان الهجرة وقوارب الموت، فمثلما حاولت في المرة الأولى تحويل اللاجئين السوريين إلى مصدر إحراج للنظام في دمشق، فهي تريد "الاتجار" بمأساة اللاجئين السوريين، لتحقيق الغرض ذاته، وهذا هو ما تنبه إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين قال بأن اللاجئين السوريين يهربون من "داعش" والجماعات المتطرفة أساساً، بدلالة أن ثمانية ملايين نازح سوري في أرضهم، انتقلوا بغالبيتهم العظمى للسكن والإقامة والعمل في المناطق التي يسيطر عليها النظام، وغالبيتهم جاءوا من المناطق التي تسيطر عليها المعارضات على اختلافها... حتى الطفل آلان كردي، ذي السنوات الثلاث، الذي أبكت صورته العالم بأسره، شُرّد وأسرته من عين العرب (كوباني)، تحت ضغط ميليشيات "داعش" وتواطؤ انقرة على إسقاط المدينة كما ظهر فيما بعد.

 والمؤسف حقاً، أن العالم الذي صمت طويلاً على تجربة "العشق الحرام" بين أنقرة و"داعش"، يقف اليوم صامتاً كذلك، أمام "الدور التركي" في خلق وتضخيم تجربة قوارب الموت وطوفان اللاجئين، تحت وطأة "أطلسية تركيا" من جهة، وحاجة الولايات المتحدة المتزايدة لدور تركي إقليمي في عديد من أزمات المنطقة وملفاتها المشتعلة من جهة ثانية.

 وأخيراً وليس آخراً، فإنه ليس المستبعد أبداً، أن تكون أنقرة قررت "رد التحية الأوروبية بمثلها"... إذ مقابل الصفعة التي وجهتها القارة لتركيا برفضها عضويتها في النادي الأوروبي، بحجة حفظ "الهوية المسيحية" لهذا النادي، تعمل أنقرة على إغراق القارة بطوفان من المهاجرين المسلمين، الأمر الذي دفع بعض قادة الاتحاد للتحذير من الخطر الذي يتهدد الهوية المسيحية لبلدانهم ... ومن يتتبع التاريخ السياسي لـ" السلطان أردوغان"، يرى أن النزعة "الثأرية" تعلب دوراً حاكماً في مواقفه، واستتباعاً في تقرير علاقات بلاده وسياساتها الخارجية، فبعد أن قرر هدم المعبد السوري على رؤوس من فيه لرفض دمشق الاستماع لـ"نصائحه"، ها هو يقرر تقويض أعمدة المعبد الأوروبي على رؤوس أصحابه، ومن يتتبع تصريحات الرجل حيال أوروبا، لن يجد صعوبة في اكتشاف عناصر الحقد الدفين الذي يكنه الرجل لشركائه في "الأطلسي" و"الجوار".

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا وطوفان اللجوء السوري إلى أوروبا تركيا وطوفان اللجوء السوري إلى أوروبا



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates