منذ فاجعة السلط، وأنا أحاول مراقبة المشهد العام، وأدقق في التفاصيل لعل شيئا ما يتغير، لكن وا أسفى كل الملحوظات لا تبشر بخير…
ترحمنا كثيرا، وسوف نبقى نترحم على شهداء السلط، وشهداء أي خطأ مقبل يقع لأننا فعلا لا نتعلم، ولا نتغير، وكل ما يجري “فورة دم يومين ثلاثة…”.!
بعد الفاجعة جلدنا حالة الترهل والخراب والوساطة والمحسوبية والضعف التي أصابت أساس بنيان القطاع العام، خاصة الصحي بالذات، وقرارات إنهاء خدمات من وصل الستين من الأطباء والممرضين لنكتشف أننا في حالة رثة وضعيفة بكوادر طبية لا تفي بالغرض.
وعلى ذكر الكوادر، سجلت ملحوظة غريبة على أعمار عدد من مدراء المستشفيات الحكومية والميدانية الجديدة، معظهم في مقتبل العمر، وبالتأكيد الخبرة، فكيف وصلوا في هذا السن إلى منصب مدير عام مستشفى؟!
طبعا؛ لنلاحظ شيئا مركزيا، أن الذي جَلَدَ كثيرا، وتوجع أمام عدسات التلفزة، بدءا من أعضاء في الحكومة أو من ضيوف الفضائيات الدائمين، او المحللين والخبراء والمختصين، هم ذاتهم من تبوأوا المناصب في المراحل السابقة، وتم تدويرهم في أكثر من موقع، والآن هم منظري الحديث عن الثورة المطلوبة، والاصلاح المتأخر، والرجل المناسب في المكان المناسب.
طبعا؛ أكثر من أكل “خازوق” في الفاجعة مجلس النواب، وهم محظوظون دائما، فأين ما غيمت تمطر سخطا وغضبا عليهم.
أصوات النواب وغضبهم وإحساسهم بالإهانة من قبل الحكومة التي منحوها الثقة قبل أشهر، واضحة الاتجاه أن لا حل مع هذه الحكومة سوى حجب الثقة عنها ما دامت لم تتقدم باستقالتها طواعية لجلالة الملك.
نواب محافظة البلقاء كانوا أول من طالب من أمام مستشفى السلط بمحاسبة الحكومة، وهذا الموقف شجع زملاءهم للتضامن والوقوف معهم، فما الذي حصل بعد ذلك؟!!.
جلسة برلمانية رقابية استمرت طوال ساعات نهار يوم الأحد، اليوم الثاني للفاجعة، والمعلومات تتسرب منذ الصباح أن كتلا برلمانية قررت حجب الثقة (المستقبل 31 نائبا)، ووصل الرقم الأولي لعدد الحاجبين فوق 45 نائبا، كل هذا قبل الوصول لموعد الجلسة.
افتتحت الجلسة، وعلى غير العادة بُثت على الهواء مباشرة في جميع محطات التلفزة المحلية، وبإيعاز ذكي من رئيس مجلس النواب، مُنح الحديث بداية لنواب البلقاء، (باعتبارهم أهل الدم ضمن الفقه العشائري) وجاء موقفهم للأسف أضعف مما كان متوقعا.
بعد نواب البلقاء، تحول حديث معظم النواب إلى المطالبة بالإصلاح الإداري ومحاربة الترهل وتحسين أوضاع القطاع الصحي، والهجوم الناعم على الحكومة، حتى وصل بأحدهم القول: “ما في تهاون المرة الجاي..المرة هاي بدنا نمشيها…”!!.والنتيجة “لجنة تحقق…مثلما توقع صديقنا الدكتور إبراهيم البدور قبل الجلسة بيوم”.
قلة من النواب حافظوا على موقفهم وأصروا على مبدأ حجب الثقة، وضغطوا بكل عبارات المعارضة الخشنة، إلا أن مذكرة حجب الثقة التي بدأ التوقيع عليها اختفت فجأة من تحت قبة البرلمان!!.
فاجعة بحجم فاجعة السلط تسببت بغضب مَلِكي غير مسبوق، واعتراف حكومي بالمسؤوليةٔ وصل إلى حالة الخجل، ونواب شعروا بالإهانة مثلما ذكروا في خطاباتهم، وحالة شعبية ناهضة رافضة لهبوط مستوى الأداء الرسمي، مترافقا مع ضيق الحال والشعور العام بالقلق، والخوف من توترات بعد أن قلّ الأوكسجين في عموم البلاد، قبل أن ينقطع عن ضحايا السلط، ألا يستحق أن نبدأ فعلا لا قولا بتغيير النهج في الحياة السياسية عموما، وفي تشكيل الحكومات بشكل خاص، لحساب حماية الوطن، وتسجيل تجربة أردنية نحتاجها جميعا لرفع المعنويات وطرد القلق والإحباط والخوف من بكرة….
الدايم الله…..