بقلم - أسامة الرنتيسي
لنهرب من الواقع الذي نعيش، إذ يحيط بنا البؤس والإحباط، ونشم رائحة الموت في كل مكان….
فاسمعوا القصة التالية:
في بداية التسعينيات، وتحديدا في عام 1993 كانت الجماهيرية العظمى تخضع لحصار أمريكي صارم، وكان العقيد لا يجد فرصة إلا ويهتف «طز.. طز.. في أميركا»، وكانت الوفود الشعبية العربية والدُّولية تحج إلى ليبيا لإعلان التضامن مع الشعب الليبي في مواجهة الحصار.
وصلنا إلى الجماهيرية ضمن وفد صحافي عربي يرافق وفود منظمات وفصائل وأحزاب عربية من مختلف الدول العربية، مغربها، ومشرقها، وكان الوفد يضم شخصيات كبيرة من وزن الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بيلا، والفريق محمد فوزي، ونايف حواتمة، وأبو علي مصطفى، وأحمد جبريل.. ومن الأردن ليث شبيلات وتوجان فيصل وصالح العرموطي وتيسير الزبري وعزمي الخواجا وآخرين، وشخصيات عربية شعبية وازنة أخرى، ينظم جولات حجهم إلى ليبيا، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي الذي اغتيل في بيروت في 21 يونيو 2005، وقد تبين مؤخرا أن له بزنسًا واسعًا في الجماهيرية.
الرحلة إلى طرابلس كانت صعبة، ومتعبة جدا، حيث تصل بالطائرة إلى مالطا، ومنها تركب البحر، لما يزيد على 12 ساعة لتصل إلى ميناء طرابلس الغرب.
بعد وصولنا نُقلنا إلى «الفندق الكبير»، وهو الأكثر فخامة يومها بين فنادق الجماهيرية، للاستعداد في اليوم الثاني لحضور افتتاح مؤتمر الحوار الثوري العربي الديمقراطي، وبلا مقدمات تم نقل الافتتاح من طرابلس إلى مدينة سرت، حيث خيمة العقيد معمر القذافي رحمه الله…
نقلنا بحافلات إلى مطار طرابلس المعطل منذ سنوات، وبعد ساعات صعدنا طائرة للخطوط الجوية الليبية، ظهرت عليها علامات الحصار وعدم الاستعمال، وعند الظهر أقلعت بنا الطائرة إلى مطار سرت، حيث ينتظرنا الافتتاح.
السفر من طرابلس إلى سرت يحتاج إلى 45 دقيقة، حلّقت فيها الطائرة على ارتفاع منخفض، وبعدما هبطنا في مطار سرت، بقيت أبواب الطائرة مغلقة، ولم يسمح لنا بالخروج، وبعد أكثر من ساعة، عادت محركات الطائرة تدور من جديد، وغادرت مطار سرت، متوجهة إلى مطار طرابلس، من دون أن نحضر افتتاح المؤتمر. وحتى الآن، وبعد مضي ما يزيد على ربع قرن لم نعرف الذي حصل.
أروي هذه القصة، بعدما تذكرت قرار ليبيا في زمن القذافي نقل القمة العربية 2010 إلى مدينة سرت، بدلا من استضافتها في العاصمة الليبية طرابلس الغرب. وبرغم محاولات الجامعة العربية ثني الجانب الليبي عن قرار نقل مكان القمة، إلا أن السلطات الليبية رفضت، وأصرت على موقفها.
الجامعة شعرت وقتها بالقلق من عقد القمة في مدينة سرت، التي لا تتوفر فيها الإمكانات اللوجستية، من فنادق وخدمات، وهي تعتبر معقل قبيلة القذاذفة، التي ينتمي إليها الزعيم الليبي معمر القذافي.
لا أحد يومها متفائل بما سيحدث في سرت، وهذه هي المرة الأولى في التأريخ الطويل للجامعة العربية، التي تنعقد فيها قمة الزعماء العرب في ليبيا، برغم أن القمة انعقدت يواجهها حدثان مشتعلان:
الأول، كيفية معالجة الموضوع الإيراني، الذي أصبح إطاره أوسع من القنبلة النووية، بل هناك دول عربية أصبحت تشكو من الحضور الإيراني في يومياتها، مثل دول الخليج ومصر والعراق واليمن، وفي سورية ولبنان الوضع مختلف.
والثاني، المصالحات العربية، والنزاع العربي – الإسرائيلي، والفلسطيني الفلسطيني.
في يوميات القمة العريبة المتناقضة، يومها لبنان استحضر أزمة عمرها 30 عاما، ولا يزال يسأل عن ملابسات اختفاء الإمام موسى الصدر، ومحمود عباس هدد بمقاطعة القمة إذا ما دعيت حماس، والسعودية فكر عاهلها عشرات المرات في الذهاب، والرئيس المصري كان يعالج في ألمانيا، وقادة عرب آخرون ينتظرون كثيرا إلى أن تنجلي المفاجآت القذافية، وتعلن ليبيا رسميا أن الرئيس الإيراني لن يحضر كضيف شرف.
مفاجآت القذافي عديدة، وهو من الذين يتقنون كسب كاميرات الفضائيات، بملابسه المزركشة، وحارساته المتجهمات، وبنظرياته الخضراء، وحلوله للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بدولة «إسراطين» ثنائية القومية.
المهم، أن القمة العربية وقتها فتحت الذاكرة على مسرحية المبدع سعدالله ونوس، «حفلة سمر من أجل 5 حزيران»، لعلها لا تتكرر في نكسة جديدة في قمة سرت، وتتوسع أوجاع العرب بدلا من رتقها.
بالله عليكم ألم تتوسع أوجاع العرب و”الانسانية جمعاء” بعد هذه السنوات الطوال، وللأسف هناك حتى الآن من ينتظر عقد اجتماعات خاصة بالجامعة العربية، وبياناتها الباهتة….
الدايم الله….