بقلم - أسامة الرنتيسي
حالة التوهان العامة التي نعيشها هذه الأيام غير مسبوقة، لا تعلمون مدى الفرح الذي دخل قلوب الناس بعد الساعتين اللتين أضيفتا إلى مساءات الأردنيين، حتى قال بعضهم: إنهم خرجوا من حالة الاكتئاب التي مروا بها بسبب الحظر المبكر من الساعة العاشرة.
ما علينا؛ الحالة السياسية والعامة والخاصة أيضا في البلاد تعمل ضمن نظرية “خليها لبكرة..” في تناغم مع السؤال اليومي الذي يُطرح عشرات المرات، ولا يجد إجابة من أحد، “وين رايحة البلد…”.
و”خليها لبكرة” نظرية من لا يعرف ماذا يفعل في أية قضية تُطرح أمامه، تسمعها من المستويات كافة، ومن شتى المتفائلين والمتشائمين.
إذا أردت طلبا من صديق في أية قضية كانت، خاصة أو عامة، وتلعثم في الوصول إلى إجابة، يبادر فورا، قائلا لك: “خليها لبكرة وبنشوف..”.
إذا طلبت المساعدة من مسؤول أو أي شخص عنده حاجة لك، ولا يستطيع تلبية طلبك، ولا يريد أن يعترف بعدم إمكان ذلك، فإنه يتراجع واعدا إياك: “خليها لبكرة…”.
و”خليها لبكرة..” تسمعها من الوزير والسياسي والاقتصادي ورجل الشارع وحارس العمارة، وتُسمعها أنت لزوجتك وأولادك وللبقال الذي تستدين منه، ولمحاسب المدرسة الذي لم تستطع أن تسدد له باقي أقساط أبنائك…
الحكومة أيضا تعمل ضمن نظرية “خليها لبكرة”، فهي الآن تتوسع في خطابها لمجلس النواب بضرورة الشراكة والتكامل، ولكن هل تستمر هذه الحال بعد الحصول على الثقتين للبيان الوزاري ومشروع الموازنة، وخلوها لبكرة وبنشوف.
بين “خليها لبكرة” و”وين رايحة البلد”، تشاهد حجم التجهم على وجوه الناس، وترى الترقب في الأعين، والقلق من بكرة، والحيرة في الإجابة عن المستقبل.
“وين رايحة البلد” سؤال تصعب الإجابة عنه في ظل الضباب الذي يلف القضايا الإقليمية حولنا، فلا يزال مطر الغيم السوري أسودَ لم يصل إلى نهاياته، ولا أين تصل أزمات إسرائيل الداخلية، ولا الحالة الفلسطينية بعد أن تاهت مشروعات المصالحة في غياهب الجب برغم رسائل الانتخابات الإيجابية، وكيف ينتهي الاحتراب الطائفي في شرقنا البعيد.
“وين البلد رايحة” إذا كان حجم الجرائم البشعة في ازدياد منقطع النظير، فبعد جريمة الزرقاء غير المسبوقة يأتي من يقتل زوجته الحامل طعنا فتغادر الحياة مع جنينها، ويكمل فعلته بقتل طفله ذي الأربع سنوات بطعنات أخرجت أحشاءه.
كيف يمكن الإجابة عن سؤال “وين البلد رايحة” إذا كانت قضية بحجم ما جاء من كوارث في تقرير ديوان المحاسبة، تدحرج لعدة ايام، وكشف عن فساد اقلها في غذاء الأردنيين، ولم نر ثورة بيضاء في أروقة الحكومة لمعالجة هذه الاختلالات العميقة التي يعلن عنها سنويا تقرير ديوان المحاسبة، ونبقى عدة ايام نلعن الفساد المعشش في أروقة مؤسساتنا وتنتهي الحكاية بانتظار حلول “الطبطبة”، والتقرير المقبل.
أقول لكم: “خلوها لبكرة..”
والدايم الله….