بقلم ـ أسامة الرنتيسي
لم تغيرنا كثيرا جائحة الكورونا، كما توقع أكثرنا، فلا تزال منظومة الأخلاق عموما عندنا معطوبة، ولا نزال نمارس السلوكات ذاتها.
لا يزال كثيرون لا يحترمون آداب الشارع ونظافته، فقذف علب السجاير الفارغة وعبوات الشاي والقهوة من شبابيك السيارات مستمر، وزاد عليها قذف الكمامات المستعملة وقفازات الأيدي.
حتى آداب العطس لا يزال بعضنا يهملها، وكثيرون يتفاخرون بكسر إحتياطات الكورونا ويصرون على العبط والتقبيل..
منظومة الأخلاق المعطوبة تجاوزت كل حدود، لهذا غابت الثقة بين الناس.
أكثر ما يتفق عليه الأردنيون في هذه الأيام، ليس مرتبطا بالمواقف السياسية والاقتصادية، والاجتماعية. الإجماع الأردني محدد في أن عطبا ما أصاب منظومة الأخلاق في الأردن، بحيث أصبح الفساد فهلوة، والكذب السياسي شطارة وحنكة، والخراب الاقتصادي سياسات متراكمة.
معالجة منظومة الأخلاق والقيم، ليست مرتبطة بقرار سياسي أو إداري، بل بقرار مجتمعي، وخير من يبحث ويوجه البوصلة في هذا الشأن، هم المثقفون والمفكرون، لكن يبقى السؤال معلقا، لِمَ غياب المثقف الأردني المفجع عن المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي؟
أكثر ما ينقصنا في منظومة الأخلاق العامة في هذه الأيام فقدان معاني التسامح، وغياب ثقافة الصّبر، وهما – حسب رأي صديق – القيمتان الأساسيتان في الحياة، من يُتقنهما ويتقن التعامل بهما يعرف جيدا أين يضع قدميه، ويعرف مآلات قراراته.
التسامح وثقافة الصّبر، يمنحان صاحبهما مساحة من الطمأنينة، كما يمنحانه فرصة إغاظة أعدائه، بحيث يحارون في أمره، وأمر قراراته، ومسار حياته.
بعد انتشار ظاهرة العنف والتطرف في معظم مجتمعاتنا العربية، باتت ثقافة التسامح إحدى أهم الضرورات الإنسانية والأخلاقية في الواقع المعاصر، وهي الوحيدة القادرة على تجاوز مِحَن الشعوب من ويلات القتل والتدمير والإرهاب.
في الأزمات التي حولنا لا يمكن ان تجد مخرجًا لها إلا بشيوع ثقافة التسامح، فما الذي يوقف دوامة العنف والقتل في كل المناطق الساخنة سوى الوصول الى لحظة التسامح بين أطراف الصراع، والبدء بالجلوس حول طاولة الحوار لتثبيت ميثاق أخلاق جديد يحكم العلاقة بين الطرفين.
إن انتشار لغة العنف يؤدي إلى إلغاء الآخر، أما لغة التسامح فهي تكرس حقيقة الاعتراف بالآخر، كما أنّ الشخص المتسامح يكون أكثر نتاجًا وأكثر طاقة لأنّه يرفض التصرفات الهوجاء أو التفكير بالانتقام، وإذا كان التسامح يعترف برفض العنف فإنّه يفتح المجال لفهم آراء الآخر، لا بل يؤثر فيها وفق أسس عقلانية.
في الأردن نكوص عن بعض مظاهر الحياة المدنية تُجاه التشدد، وفيه لغة خشبية، ومصطلحات كراهية عند وقوع أي خلاف حتى لو كان حول مباراة كرة قدم، وفيه حالة من الاحباط، والخوف على المستقبل؟.
الدايم الله…..