لا يُفرح الأردنيين أكثر مِن أخبار مكافحة الفساد ومحاسبة كبار المسؤولين على تجاوزات وسرقات وعمولات وقعت في عهد سلطاتهم عندما كانوا في موقع المسؤولية، فكيف الحال إذا وصل الحساب رئيس وزراء سابق ووزراء ونواب وشخصيات من الوزن الثقيل.
منذ فُتح ملف التهرب الضريبي ووصول المحاسبة شخصيات وكبار رؤوس أموال صار حديث الأردنيين عن الفساد والفاسدين.
التحليلات كثيرة ومتنوعة، أبرزها أن هذه الحملة تحمل في طياتها رسائل وأهداف، وهي مؤقتة وليست دائمة، وليست على مسطرة واحدة، وفي بعضها عقاب خفي لحالة الجحود التي مارسها بعض من سمن لحم أكتافهم من خير البلد وأمتنعوا عن دعم الدولة عندما تطلّب الأمر ذلك.
أكثر ما يستشهد به الأردنيون ما وصل من تبرعات إلى صندوق همة وطن، ويتساءلون بعتب شديد، هل هذا مبلغ يسجل باسم الأردن ودعمه في مواجهة جائحة بحجم الكورونا؟!.
لم تمنع جائحة الكورونا الأردنيين من الاستمرار في فتح ملفات الفساد ومتابعتها، وإذا طُلب من الأردنيين أن يتفهموا أوضاع الدولة المالية العامة، فعلى الدولة، بحكومتها وأجهزتها المختلفة، أن يفهموا رسالة الأردنيين الواضحة، وهي باختصار، لن ندفع فواتير الفساد مرتين، وعلى الفاسدين أن يقلّعوا شوكهم بأيديهم، مثلما قالها يوما مسؤول كبير في وجه الصحافة الأردنية عندما تعرضت لأزمات مالية “خلعو شوكّم بأيديكم..” وها هو اليوم في مكان عليه أن يقلع شوكه بيديه.
ليس هناك ما يُغضب الأردنيين جماعات وأفرادا، أكثر من ظواهر الفساد المرتبطة بعناوين معروفة جيدا لشركات استثمارية، ومصالح احتكارية واقتصادية واسعة وشخصيات رفيعة المستوى، اغتنت فجأة.
لا نريد اغتيال أحد ولا إعدامه، فقط نريد للقانون أن يأخذ مداه، ويقطع يد كل فاسد، أوصل البلاد الى هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، حتى تكون رسالة واضحة للجميع، خاصة الذين في أعينهم رمَد، وما زالوا يتوهمون أن منظومة الفساد محمية.
لا أحد ينكر حجم الارتياح الشعبي العام للاستجابة للمطالب الشعبية بالكشف عن ملفات الفساد ومحاسبة المسؤولين، والذي سوف يريح أكثر ويسجل هدفا مباشرا في أجندة الإصلاح عندما تكون هذه المحاسبة علنية أمام الجميع من خلال وسائل الإعلام بأطيافها كافة.
سيتعزز يقين الأغلبية الساحقة بأن معركة مواجهة الفساد قد انطلقت فعلا، عندما تأخذ هذه السياسة مجراها، وتعتمد استراتيجية ثابتة في برامج عمل الدولة وليس الحكومة.
لأننا تعبنا من الحديث عن الفساد، ولا نرى فاسدين خلف القضبان.
يجب أن نتذكر أن النجاح لن يُكتب لمكافحة الفساد إلّا مع الدعم السياسي الجدِّي، ولا بد أن تكون جهود مكافحة الفساد، بعيدة عن التشهير والتسقيط والتسييس.
تعب الأردنيون من سماع حديث متواصل عن الفساد ومكافحته، في حين لم يجدوا ملفا واحدا تم فتحه ومحاسبة المتورطين به الى النهاية، وقد حقدوا على مجلس النواب السابق الذي أغلق ملفات الفساد جميعها، وأعطاها صكوك براءة.
سنضرب تعظيم سلام للحكومة وأجهرتها إذا استيقظنا يوما على خبر جلب الكردي و450 مليون دينار حكم فيها القضاء الأردني.
الدايم الله…..