بقلم - أسامة الرنتيسي
الهجمة الشرسة التي تعرض لها المواطن الأردني من الجهات الحكومية ومن الإعلام أيضًا، والتهديد بخطورة انهيار النظام الصحي والوصول إلى مرحلة خطرة في تفشي فيروس كورونا غير مفهوم ولا مبرر.
جيد أن نرفع مستوى وعي المواطن في مواجهة الأزمة الصحية التي نمر بها، وهذا واجب الجميع، والإعلام في المقدمة، أما أن نرفع درجات الرعب والتوتر فهذا الأمر غير مطلوب في هذه المرحلة.
في اليومين الماضيين صدر أكثر من تصريح رسمي وأجريت اكثر من مقابلة متلفزة تحذر من انهيار النظام الصحي، هذه التصريحات زادت قلق المواطن الأردني من عدم مقدرة نظامنا الصحي على مواجهة أزمة بحجم أزمة كورونا.
جميعنا نعرف واقع الحال في المستشفيات الحكومية، فلا يحتاج الامر إلى شرح ولا إلى أمثلة عن أوضاع البشير وحمزة وغيرهما من المستشفيات الحكومية قبل الكورونا، فكيف الحال بعد تفشي الجائحة.
هذا الأمر كان يتطلب أن نتخلص مبكرا من حركات التمثيل التي مارسها علينا مسؤولون منذ بدء التعامل مع جائحة كورونا، خاصة الذين يقفون على رأس هرم وزارة الصحة فهم يعرفون الحال أكثر من غيرهم، ويعرفون أن معظم مستشفياتنا الحكومية تمر في واقع صحي وتمريضي مُحزن ومُرهَق بسبب قلة الكفاءات والكوادر إضافة إلى الضغط غير المعقول على كواهلهم.
قرأنا في اليومين الماضيين جملة تعليقات على تصرفات وانتقادات قامت بها إدارات مستشفيات خاصة في وضع “بكجات الكورونا” واضح فيهما حجم الاستغلال البشع لحاجة المواطن الأردني للعلاج من فيروس كورونا، وهروبه من المستشفيات الحكومية.
مبالغ “البكجات” إذا صدقت الأرقام التي رافقتها وليست مزورة مثل كثير مما يصلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تنم عن حالة من الاستغلال الجشع التي تحكم عقول بعض أصحاب المستشفيات الخاصة، وإستغلالهم للظروف التي يمر بها الوطن.
علينا في هذه الظروف الصعبة أن نعمل على رفع معنويات العاملين في القطاع الصحي مهما كان واقع الحال، فليس من مصلحة احد انهياره، وعلينا أن نبني على سلوك الأردنيين الإيجابي في الفترة الماضية، بحيث يصبح سلوكًا عامًا في زمن الكورونا وما بعد الكورونا.
كل جيوش الدنيا الصحية والعسكرية لن تقف أمام هذا الفيروس اللعين لهذا نحتاج إلى “سيستم” جديد لحياتنا وساعاتنا وعملنا وراحتنا، وهذه تطورات اجتماعية وثقافية تحتاجها الشعوب وتعمل على تغييرها سنوات طوال، لكن بفضل هذا الفيروس اللعين الذي غير من أنماط حياتنا كثيرا نستطيع أن نعزز الإيجابيات ونقلص السلبيات التي شكونا منها كثيرا، ووضعنا لبعضها مواثيق شرف ووثائق شعبية لكن لم نفلح في تطبيقها لأن فعل التغيير يحتاج إلى إرادة قوية أو فعل أمر ليس برضانا مثلما فعل فينا الكورونا.
ومَن يُصِرُّ على أن نبقى نجلد أنفسنا كلما وقعت مشكلة جديدة تعيدنا للمربع الأول في أزمة الكورونا، فسوف نُجلد كثيرا، لأن الوعي الجمعي مهما اشتغلنا عليه، فإنه يبقى ناقصا، إذا لم يُرافق ذلك قوانين صارمة، يعرف الناس عواقبها جيدا، ويقتنعون أن العقوبة لن ترفع عنهم مهما كان الخطأ الذي يرتكبونه صغيرا أم كبيرا، ولا توجد وسائل حماية ووساطات تعفي المخطئ وتطبطب عليه، وتضيع الحقوق مقابل فنجان قهوة ووجه الجاهة الكريمة.
الدايم الله….