منذ سنوات؛ يحتفل الأردنيون كل عام بصدور تقرير ديوان المحاسبة، ويطوف رئيس الديوان على ثلاث جهات، ويحظى بصور مع رئيس الحكومة ورئيسي الأعيان والنواب، وتلتقط الصحافة والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي أخبارا من التقرير، وتنشرها، وندوخ عدة أيام في استعراض أخبار فساد صغير وكبير ومتوسط، وبعد ذلك يُغلق الملف بانتظار تقرير العام المقبل.
أكثر ما استفزني من أخبار نُشرت من بطن التقرير أن رئيس الوزراء طلب من مؤسسة تنمية أموال الأيتام إعادة المبالغ التي حصل عليها مدير عام المؤسسة عام 2018 مكافآت وبدل تنقل وحضور جلسات مجلس الإدارة. والمبلغ ليس بسيطا حيث صرف 31.489 دينارا خلال عام 2018 مكافآت وبدل تنقل وحضور جلسات مجلس الإدارة خلافا للقانون.
كما صرفت المؤسسة مبلغ 42.356 دينارا لموظفي المؤسسة الذين لم يقوموا بعملية الاستلام والتسليم والتنازل خلال الفترة نفسها مبلغ 21.183 دينارا خلال عام 2017 و21.182 دينارا عام 2018 خلافا لأحكام القانون.
الاستفزاز فقط لسبب واحد، أن شبهات الفساد ومخالفة القانون وصلت لأموال الأيتام، فكيف سنطمئن على باقي أبواب المال العام؟.
إذا لمس الأردنيون جِدّية حقيقية في تعامل الحكومة مع تقرير ديوان المحاسبة ومعالجة المخالفات والاختلالات والفساد المعشش في مؤسساتنا، فإن ذلك يُسجّل في مصلحة الحكومة ويرفع من شعبيتها.
منذ صدور تقرير ديوان المحاسبة، وهو يحتل المرتبة الأولى في تعليقات الأردنيين، ومتابعة الكتّاب والصحافيين.
وقد تركزت التعليقات، بأن هذا التقرير سيوضع كما سابقيه في الأرشيف بانتظار التقرير المقبل، “وعند عمك طحن”.
استرداد ربع قيمة المخالفات المبينة في التقرير تزيد قيمتها عما هو متوقع من عجز، فَلِمَ لا نذهب للفساد المعشعش في مؤسساتنا ونتخلص من وجع العجز وزيادة المديونية.
إذا طُلب من الأردنيين أن يتفهموا أوضاع الدولة المالية العامة، فعلى الدولة، بحكومتها وأجهزتها المختلفة، أن يفهموا رسالة الأردنيين الواضحة، وهي باختصار، لن ندفع فواتير الفساد مرتين، وعلى الفاسدين أن يقلّعوا شوكهم بأيديهم.
ليس هناك ما يُغضب الأردنيين جماعات وأفرادًا، أكثر من ظواهر الفساد المرتبطة بعناوين معروفة جيدًا لشركات استثمارية، ومصالح احتكارية واقتصادية واسعة وشخصيات رفيعة المستوى، اغتنت فجأة.
لا نريد اغتيال أحد ولا إعدامه، فقط نريد للقانون أن يأخذ مجراه، ويقطع يد كل فاسد أوصل البلاد الى هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، حتى تكون رسالة واضحة للجميع، خاصة الذين في أعينهم رمد، وما زالوا يتوهمون أن منظومة الفساد محمية.
تعب الأردنيون من سماع حديث متواصل عن الفساد ومكافحته، لكنهم لم يجدوا ملفا واحدا فتح وحوسب المتورطون فيه الى النهاية، وقد حقدوا على مجلس النواب الذي أغلق ملفات الفساد جميعها، وأعطاها صكوك براءة.
بالمناسبة؛ لم يعرف الأردنيون من هو النائب السابق وابنه اللذين أحيلا إلى القضاء بقرار من هيئة مكافحة الفساد قبل يومين، برغم أنهم إنشغلوا في البحث عن الاسمين كثيرا.
الدايم الله…..