بقلم ـأسامة الرنتيسي
لا يزال منظر الخيمة التي احترق فيها أربعة أطفال سوريين على طريق المطار الأسبوع الماضي يحفر بعمق داخلي لاعنا أبا الفقر الذي وضع هؤلاء الضحايا داخل خيمة بلاستيكية ذابت على أجسادهم الغضة عندما وصلتها النيران.
بعيدا عن لغة الأرقام الجوفاء، والتقارير المدبجة بحبر لا تفوح منه رائحة الوجع، ثمة في مجتمعنا، بشر يوشكون على استنفاد آخر قطرات الحياة من أرواحهم، من جرّاء وصولها إلى مرحلة الفقر الذي حطم “خطوط” التصنيفات الرسمية كلها، من مدقع ومطلق.. وصولا إلى (عيش سريري).
ما حفزني على استحضار هذا النمط من الحياة؛ ما أشاهد من أوضاع لعائلات محرومة من ابسط متطلبات العيش، تتنقل من جمعية خيرية إلى مراكز تسد رمق المحتاجين.
فقر تعاقبت عليه عقود عاشتها أسر كانت قد فقدت الأمل بحياة مريحة، اعتادت القلة والجوع اللذين لا يسدهما الخبز الحاف، غير أن ما قلص من مأساة هذه العائلات، ردود الأفعال من أهل الخير الذين أبدوا الاستعداد للمساعدة بأقصى إمكاناتهم بعد أن يتم نشر قصصهم في الإعلام.
في لحظات معينة كم تشعر أن الدنيا لا تزال بخير، وأن روح العطاء لم تذوِ بعد، فمجتمعنا بأمس الحاجة لمثل هؤلاء المحسنين الذين لا يبحثون عن الشهرة عند تقديم ما يجودون به، ولمبادراتهم الخيرة، وإحساسهم الصادق بالآخرين في زمن صعب ووسط حياة مؤلمة ثقيلة بأوجاعها واحتياجاتها.
مبادرات أهل الخير تُعبّر عن تكافل اجتماعي يعكس روح المجتمع وإنسانيته وحضاريته، ويؤكد أهمية إحساس الفئات جميعها بعضها ببعض، ليكونوا أكثر حرارة وعمقا وطيبة.
استجابة المجتمع لكثير من القضايا التي تُطرح عبر وسائل الإعلام، تُحمِّل الصحافيين مسؤولية مضاعفة في تعزيز هذا الدور الإنساني الكبير واستثماره لبث روح العطاء والتكافل بين أفراد المجتمع كافة.
والإعلام يلعب دور الوسيط من خلال مأسسة هذا الكرم، والحس الإنساني والشعور مع الآخرين في مجتمعنا، ويُسهم في مد يد العون لمن يحتاجه.
السؤال عن المحتاج والبحث عنه والاكتراث بأحواله الصعبة لا يكلف شيئا، بل يعيد إلى حياتنا وعلاقاتنا الإنسانية بعضا من روحها التي ذبلت في هذا الزمن الذي يزداد جفافا وتصحرا ويباسا.
نعوّل على أن تكون الحياة عكس تلك التي وصفها عنوان رواية الروائي جمال ناجي بأنها “حياة على ذمة الموت”، خاصة بعد أن اجتاحتنا جائحة كورونا وفعلها القبيح في تخريب الاقتصاد والحياة الآمنة للذين كانوا يعتاشون يوما بيوم، خبزنا كفاف يومنا…
في الشهرين المقبلين ثمة قراءات وأخبار مزعجة عن قيام شركات في القطاع الخاص بتسريح بعض عمالها، وعندما يُقدِم بنك كبير على هذه الفعلة قبل أسابيع مُنهيًا عمل نحو 120 موظفا لديه ولم يراعِ المسؤولية الاجتماعية فماذا سنفعل عندما تقوم شركات ومؤسسات أصغر من ذلك بهذا الفعل الشنيع.
وجع الفقر وغول البطالة سوف يتوسعان في الأيام المقبلة، عندها لن تكفي الشعارات والكلام المعسول في تأمين لقمة عيش محترم لفقرائنا ومحتاجينا.. الله يستر….
الدايم الله….