ليس المهم الان إن كان القادم زيدا أم عمرو، بشر أم عبدالله، حازم أم عبدالاله، المهم أن يكون صادقا معنا ومع نفسه أولا.
يحتاج الأردنيون هذه الأيام الصعبة مصداقية عالية في الخطاب الرسمي، وخطاب وأرقام الكورونا تحديدا، وأراهن أن هذه المصداقية سوف تكون انعكاساتها أكثر إيجابا من عشرات البلاغات وأوامر الدفاع واستراتيجيات الحكومات ، فقد أشبعتنا الحكومة الراحلة قريبا استراتيجيات ومصفوفات وخططًا وشعارات وتغذية راجعة وأوصاف للحكومة من النهضة إلى الانتاج لم يتحقق شيئا، ولو بقينا عند خطة حكومة الملقي في تحفيز النمو الاقتصادي لكنا من الممكن حققنا شيئا ولو بسيطا.
نريد من الرئيس القادم مهما كانت هُويته ان يكون صادقا، يتحدث مباشرة، يعترف أن السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومات منذ عشرين عاما مبنية على تفاهمات لا يمكن لنا أن نتخلى عنها مع صندوق النقد والبنك الدُّوليين، ومن خلالها نستطيع أن نحصل على قروض، ليكون وقع الحديث أسهل على قلوب الأردنيين.
وإذا تجرأ وكان صادقا وقال سوف نعمل على تعديل البوصلة ونبحث عن خيارات أخرى لسوف يرتفع كثيرا في تقدير الاردنيين، ويكسب شعبية من الجولة الاولى.
على الرئيس أن يعرف أكثر من غيره، أننا نعيش في زمن جديد، ومتغيرات أصابت بنيان المجتمعات، ولم يعد أحد يقبل بما كان يقبل به قبل زمن البوعزيزي، زمن عربي تتفتح فيه جنائن الحريات، والمطالبة بالتغيير والإصلاح، لكن ليس على الطريقة الاردنية وما حدث في جامعة الاسراء.
نحن في زمن أردني مثقل بالتحديات الكبرى، وفيه يبحث أصحاب القرار السياسي عن كلمة السرّ التي ستفتح على باب التغيير، وتلبية متطلبات برنامج إصلاحي بات ضروريًا وملحًا، لا يحتمل التأجيل، من دون دفع تكاليف الانتقال من مرحلة تأريخية إلى أخرى.
بالضرورة يجب أن يحمل قرار تغيير الحكومات معاني تغيير السياسات الرسمية القائمة التي أثقلت كاهل المواطن، وربّما أفقدته رشده، وتبنّي سياسات إصلاحية جادّة على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لقد اجتمعت في الفترة الماضية أسباب عديدة، تقاطعت جميعها في بؤرة توتر للشارع الأردني.
السؤال الكبير الذي يُطرح هو: لِمَ تفاقمت حالة التوتر والتأزم الاقتصادي (ارتفاع البطالة والمديونية والغلاء)، والاجتماعي (العنف وأحداث جامعة الاسراء)، والسياسي (التردد وغياب الحياة البرلمانية لفترة طويلة)؟
لنعترف أن ما تمّ تقديمه من إصلاحات في الفترة السابقة جاء من دون أن تترافق مفاصل الإصلاح السياسي مع نظم وتشريعات اقتصادية ذات دلالات اجتماعية ومعيشية، تشكّل همًا وكربًا يوميا لآلاف العائلات الأردنية، وبهذا الواقع بقيت السياسات والتشريعات الاقتصادية على حالها، وبقى اللغم في حضن الحكومة، لا أحد يعلم متى سينفجر.
ينقص الجهات المعنية في رسم الاستراتيجيات وصنع القرار مراجعة شاملة للتجربة في ضوء المستجدات الجديدة، والمعارضات المستندة إلى قواعد اجتماعية جديدة، كانت محسوبة في ما مضى على الأغلبية الصامتة.
إن غياب هذا العامل أفقد صناع القرار وضع استراتيجيات واضحة للتغيير في إطار منظومة متكاملة، وآليات عمل محددة وواضحة، وظهر بوضوح ضعف المجسات التي تلتقط ردود فعل الشارع، لهذا نخرج من أزمة لندخل في أخرى.
كلمة السرّ الدقيقة التي لا تخطئ هي اعتماد استراتيجية جادّة للإصلاح السياسي والاقتصادي المعيشي المباشر، فالفئات الفقيرة التي وقع عليها ظلم الجشع والفساد ونهب المال العام وغياب الحريات هي التي يجب أن تلمَس بيدها منافع الإصلاح، لا أن تدفع ثمنه مرّتين.
الدايم الله…