مع كل حرف قاله رجل الدولة بامتياز طاهر المصري وأمنيته..
“أن نستمر في فلسفة الحصار التي تولدت مع الحجر، كي نعود إلى قواعدنا الاجتماعية القديمة”.
وبتحليل عميق لم نسمعه من أساتذة علم الاجتماع يؤكد المصري أن “معظم العادات السلبية كانت تدل على حب الظهور، أو تقليد الآخرين، أو إشعار الناس بمستوى اجتماعي معين. هذه تضاءلت بقوة الحجْر، ولا أعتقد أن الناس أصيبوا بعطب نفساني صعب جدا، هناك من أصيب بملل وهناك من أصيب بفقر وبطالة وكآبة، لكن بعودة الحياة لطبيعتها نأمل أن نكون أخذنا الجيد من هذه التجربة ورمينا السيّئ منها. مثلا اغلاق المقاهي الساعة 11 مساءً، هذا أمر جيد للحياة الاجتماعية.. مفيد ومهم جدا للحياة الزوجية” (أنتهى الاقتباس).
نحو ستة أشهر تقريبا أمضاها الأردنيون في حجر صحي، وحظر تجول، الأغلبية راضين عن الحجر مع أن الجميع متضايقون منه، والنسبة الأكبر راضون عن قرارات حظر التجول، ونصف الأردنيين لا تعجبهم القرارات الحكومية حسب استطلاعات الرأي.
مرحلة ليست اختيارية، لكن أثبت الأردنيون أنهم متماسكون متضامنون واعون، ويقبلون القرارات الحكومية حتى لو لَم تعجبهم.
الآن؛ من هي الجهة التي تستطيع أن تبني على السلوك الإيجابي للأردنيين في الأشهر الماضية، بحيث يصبح سلوكًا عامًا في زمن الكورونا وما بعده.
اكتشفنا سلوكات كثيرة يمكن أن نُعدّلها أو حتى نقلبها تماما في حياتنا الاجتماعية وتكون الفائدة أكثر وأفضل وفيها نوع من التطور الاجتماعي.
كما اكتشفنا أنفسنا في فترات الحجْر الصحي وحظر التجول، وتعرفنا أكثر إلى بيوتنا وتفاصيلها وناسها واقتربنا كثيرا من بعضنا بحميمية كنا نفتقدها.
كيف نعيش كل هذا في حياتنا في الأيام المقبلة.. هذا هو سر التحوّلات الاجتماعية التي تأتي من دون ثورات واحتجاجات.
كم منّا عانو من ضعف التواصل مع أبنائهم، واشتكو كثيرا من أن الشباب لا يمكثون في بيوتهم مثلما يمكثون في مواقع لقاءات أقرانهم من مقاهٍ وكافيهات ومطاعم.
في دول العالم المتقدمة، خصوصا أوروبا، وعربيا في المغرب مثلا، لا يستمر عمل معظم المحال التجارية والأسواق والمولات أكثر من الساعة التاسعة مساء، والعطل مقدسة، لا حياة في الشوارع، الحياة فقط في المنازل والدفء العائلي.
لدينا في الأردن صخب تجاري يستمر في العمل 24 ساعة، المولات والمقاهي والكافيهات، وحتى باعة القهوة في الشوارع، فكيف نضمن أن لا يتحرك شبابنا إلى هذه الأماكن التي يسهر الناس فيها حتى الفجر.
ضبط الحياة عموما يحتاج إلى قرارات قاسية، ليس المقصود تقييد الحرّيات، أعرف أن هناك مهنًا وأعمالًا تحتاج إلى العمل حتى الفجر، ليكن ذلك، فهذه لها جمهورها، ولها سُياحها، وهي مهن منتجة وإيجابية، لكن أن تبقى كل الحياة بهذا الصخب فالنتائج في الأقل في البعد الاجتماعي والثقافي ليست إيجابية.
نحتاج إلى “سيستم” جديد لحياتنا وساعاتنا وعملنا وراحتنا، وهذه تطورات اجتماعية وثقافية تحتاجها الشعوب تعمل على تغييرها سنوات طوال، لكن بفضل هذا الفيروس اللعين الذي غير من أنماط حياتنا كثيرا نستطيع أن نعزز الإيجابيات ونقلص السلبيات التي شكونا منها كثيرا، ووضعنا لبعضها مواثيق شرف ووثائق شعبية لكن لم نفلح في تطبيقها لأن فعل التغيير يحتاج إلى إرادة قوية أو فعل أمر ليس برضانا مثلما فعل فينا الكورونا.
الجمعة الماضي، وعندما تم حظر التجول في العاصمة عمان والزرقاء، كان يوما هادئا وسلسلا من دون صخب باعة الغاز والخُضَر ولم نسمع صراخ باعة الأنتيكا المزعج جدا جدا، بل سمعنا تغريد العصافير….
الدايم الله….