بقلم - أسامة الرنتيسي
لا أدري من هي الجهة المعنية في البلاد بدراسة حالة انعدام الثقة في الاجراءات الرسمية في مكافحة الفساد، وعدم تصديق التوجهات الحكومية في حربها المعلنة خلال الأيام الماضية على الفساد والتهرب الضريبي، حتى تصل الأمور إلى أن يعلن كثيرون انها “جمعة مشمشية” ولن تصل مسطرة محاربة الفساد إلى محطتها الأخيرة، وسوف تتوقف بشكل مفاجئ.
لا يعقل أن يفلت مشروع او قرار في البلاد في السنوات الأخيرة من شبهة فساد، واعتداء على المال العام، حتى أصبح كل قرار او توجه او صفقة متهما حتى تثبت براءته.
سيطير في الهواء تصريح خطير لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز قبل أيام عندما أعلن أن حجم التلاعب في بعض العطاءات الحكومية وصل 700 ٪.
في فترات ماضية طالت شبهات الفساد حسب تقارير ديوان المحاسبة إدارات بعض الجامعات، كما طالت وزارات التربية والأوقاف، والثقافة.. وحامت شبهات وصلت الى هيئة مكافحة الفساد ذاتها، فقد ازدحمت بعض وسائل الإعلام بمعلومات ووثائق (لم يتم التحقق منها) عن شبهة فساد حول أراض تعود ملكيتها لرئيس هيئة سابق.
في فترة نشاط الحراك الشعبي (الله يرحمه)، تحت الضغط المتواصل لمحاسبة الفاسدين والمسؤولين عن هدر المال العام، من أجل استعادة الأموال المنهوبة لخزينة الدولة العامة، بدأت مرحلة جديدة من التعامل الرسمي مع الملفات الساخنة والأكثر تداولا. ومع هذا الفتح الجديد انقشعت غيوم كثيفة وانفجرت مطالب شعبية لفتح الأبواب على مصاريعها، فهناك عشرات القضايا التي يتوجب تناولها ومعالجتها في إطار إعادة الحقوق لأصحابها ومحاسبة المتسبّبين بحدوثها.
لا أحد ينكر حجم الارتياح العام للاستجابة للمطالب الشعبية بالكشف عن ملفات الفساد ومحاسبة المسؤولين، الذي سوف يريح اكثر ويسجل هدفا مباشرا في أجندة الاصلاح الشامل عندما تكون هذه المحاسبة علنية أمام الجميع من خلال وسائل الإعلام بأطيافها كافة.
وسوف يتعزز يقين الأغلبية الساحقة بأن معركة مواجهة الفساد قد انطلقت فعلا، عندما تأخذ هذه السياسة مجراها، وتُعتمد استراتيجية ثابتة في برامج عمل الحكومات، وأن لا تقتصر على إثارة زوابع، او تقديم ضحايا من الوزن الثقيل أمام الرأي العام، لأننا تعبنا من الحديث عن الفساد، ولا نرى فاسدين خلف القضبان.
عناوين مكافحة الفساد كلها سوف تبقى حبرًا على ورق، إن لم تستجب للملفات التي يتحدث عنها الضمير الشعبي يوميًا، بِدءًا من الملف المعلق “الفوسفات والكردي”، الى ملف العطاءات المفتوح على مصراعيه، ولن يقبل الوجدان الشعبي ان يتم التعامل مع هذه الملفات كما تم التعامل مع ملفات أخرى.
المأزق الكبير لجهود مكافحة الفساد يتمثل في دفع جهود المكافحة تُجاه حصرها في التشهير بحالات فساد فردية محدودة، علاوة على الوقوع في فخ التسييس وتسوية الحسابات لتسقيط هذا وترفيع ذاك.
يا خوفي أن ينفض السامر قريبا وتُغلق الملفات على تسويات لن يعلم عنها “المواطن المسخم”، ونعود مجددا للمربع الأول.
الدايم الله…