أناس طبيعيون

أناس طبيعيون

أناس طبيعيون

 صوت الإمارات -

أناس طبيعيون

أسامة غريب
بقلم - أسامة غريب

عجيب أمر الرجل الذى يقضى العمر يسعى للحصول على شقة كبيرة خمسمائة متر ليسكنها دون أن يكون فى حاجة حقيقية إلى مساحة كبيرة كهذه، حيث إن حجرتين وصالة تفى بكل ما يريد من المسكن أن يحقق له. فلما يحصل عليها يجد نفسه محتارًا فيما يفعله بها، وبسبب اتساعها الكبير فإنه يعجز عن تنظيفها، كما يجد نفسه مضطرًا إلى أن ينثر الكثير من الأثاث فى كل مكان، والنتيجة فى النهاية هى مسكن قبيح.

نفس الأمر أشعر به عندما أرى من يسعى لاهثًا للحصول على ترخيص صحيفة، فيبوس أعتاب ذوى الشأن ويوسط كل من يمكنه التدخل، ويعمل على تهدئة هواجس الجهات الأمنية تجاه نواياه. كل هذا قد يوحى بأن الساعين لإصدار الجريدة يعرفون ما يفعلون ولديهم رسالة واضحة ومحددة، فإذا بهم بعد الحصول على الرخصة لا يصدرونها على قدر عزم صحفييها وكتّابها، أى فى ثمانى أو عشر صفحات وإنما فى عشرين وأحيانًا فى أربعين صفحة. وهنا يجدون أنفسهم مضطرين لحشوها بكل أنواع الكلام الفارغ والضار أيضًا، كما يلجأون لاستكتاب من لا يصلحون للكتابة فى صحيفة مدرسية، وكل هذا من أجل ملء الفراغات والمساحات التى ما كان أغناهم عنها لو اكتفوا فقط بصحيفة قليلة الصفحات.

ولا تختلف القنوات التليفزيونية عن النموذج السابق من حيث السعى للتمدد وملء ساعات الليل والنهار، وإنما تتفوق عليه فى التفاهة والركاكة وانعدام الذوق.

زمان كان لدينا فى التليفزيون المصرى قناتان اثنتان.. الأولى تهتم بالبرامج والأفلام والمباريات والمسلسلات العربية التى أحبها الناس وارتبطوا بها، والثانية تُعنى بالأفلام والمسلسلات والأغانى الأجنبية التى لها محبوها أيضًا. وكان التليفزيون يغلق إرساله عند منتصف الليل ويبدأ الإرسال من جديد فى اليوم التالى. وقتها كانت العملية التعليمية تتم فى المدارس التى يذهب إليها التلاميذ فى الصباح وليس فى البيوت كالحادث الآن (أتحدث عن قبل زمن الكورونا). وكانت دكاكين البقالة والعطارة والعلافة والجزارة وخلافه تفتح أبوابها فى الصباح الباكر، عكس ما يحدث الآن حيث فتح المحال لا يخضع لأى مواعيد ثابتة ومحددة، وإنما يخضع لمزاج صاحب المحل الذى يظل ساهرًا أمام التليفزيون يشاهد برامج مؤذية تسحب وعيه وتطمس عقله وتُنهكه معنويًا حتى يغلبه الإعياء قرب الصباح، ثم لا يفتح محله قبل الظهر. عبثت القنوات الكثيرة- التى لا تُغلق أبدًا ولا ترتاح ولو لساعتين فى اليوم- بحياة الناس فأفسدتها، ولم تكتفِ بهذا وإنما غيرت مقاييس الجودة لدى الناس وجعلتهم يحتفون بالتافه من القضايا، ويتوزعون إلى شيع وأحزاب وهم يتابعون موضوع مؤخرة الفنانة الفلانية ومغامرات المطرب العلانى مع عشيقاته.

المؤسف أن الوطن عندما يحتاج إلى أناس طبيعيين- وأظنه يحتاجهم الآن- لن يجد!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أناس طبيعيون أناس طبيعيون



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان
 صوت الإمارات - عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 17:54 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

زيت النخيل مفيد لكن يظل زيت الزيتون هو خيارك الأول

GMT 04:49 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

وحيد إسماعيل يعود لصفوف الوصل

GMT 19:51 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

شركة "سامسونغ" تحدد موعد إطلاق أول هواتفها القابلة للطي

GMT 22:19 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف إلى خطة مدرب الشارقة لمواجهة الوحدة

GMT 03:33 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

لقاء ودي بين محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي

GMT 02:31 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

كيف تحمى طفلك المريض بضمور العضلات من الإصابة بفشل التنفس ؟

GMT 03:01 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يسدل الستار على فعالياته الثلاثاء

GMT 11:49 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

بلدية العين تنفذ حملات تفتيشية على 35 مقبرة

GMT 21:50 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

جينيف سماء ملبدة بغيوم الحنين والبهجة

GMT 22:54 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"سامسونغ" تُطلق ذراع تحكم بالألعاب لهواتف أندرويد

GMT 10:58 2013 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

"كلاكيت" رواية جديدة للكاتب محمد عبد الرازق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates