بقلم - أسامة غريب
يعيب البعض على مؤسسة الأزهر رفضها أن تقوم بتكفير تنظيم داعش ومن لف لفهم من جماعات إرهابية، والحقيقة أن موقف الأزهر فى رفض التكفير هو موقف متقدم بأكثر من مواقف من يزعمون التنوير ومع ذلك لا يرون بأساً فى استخدام المؤسسات الدينية الرسمية فى إعطاء صكوك بالإيمان لهذا وبالكفر لذاك. وربما كان العاتبون المتعجلون للحصول على شهادات كفرية بحق الخصوم يرون أن موقف الأزهر هذا لا يتسق مع مواقف سابقة قام فيها بعض شيوخه بتكفير أناس بناء على مواقفهم السياسية أو نتيجة كتب وأبحاث قدموها وبها مخالفة لبعض الموروث العتيق الذى رأوه غير صالح لهذا الزمان.. فكيف- من وجهة نظرهم- يتم استسهال التكفير لدرجة التفريق بين الأزواج أحياناً، وإبداء المواقف المستنيرة فى أحوال أخرى؟.
أعتقد أننا هنا يجب أن نفرق بين نظرتين للأمور: الأولى هى نظرة المؤسسات الدينية لمسألة الكفر وهى تتمثل فى إنكار أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والثانية هى الدستور الذى يتيح حرية العقيدة وبالتالى يبيح الحق فى الكفر لمن أراد دون أن يتعرض للإيذاء أو الاضطهاد.. ومن المؤكد أن الدستور فى موقفه الطبيعى هذا كان يستند أو يتماشى مع نصوص القرآن التى منها: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ومنها: لست عليهم بمسيطر، وغيرها من النصوص الدالة على احترام حرية العقيدة.
وإذا عدنا لموضوع داعش فمن المهم التأكيد على أننا نجرّم التنظيم لأن أفراده يرتكبون جرائم وليس لأنهم لا يؤمنون بالله، فإيمانهم من عدمه لا يشغلنا ولا يجب أن يشغلنا، ولو ثبت على أى نحو أنهم مؤمنون وليسوا كفاراً فإن إيمانهم هذا لا يفيد الضحايا الذين ماتوا على أيديهم والبيوت التى خربت والمدن التى تهدمت والفتيات اللواتى تم سبيهن وبيعهن فى أسواق النخاسة، أما محاولة الحصول على شهادة بخروجهم من الملة فإنها تعيدنا أو بالأحرى تبقينا فى عصور الظلام التى نجاهد لنخرج منها. وإذا كانت هذه الأمثلة لا تكفى فدعونا نضرب مثلاً آخر.. هل القاتل الذى اغتصب طفلة ثم ذبحها يتم الحكم عليه بالإعدام لأنه كافر أم لأنه قاتل؟.. وهل يعزز موقفه أمام المجتمع وأمام أهل الضحية أنه ينطق بالشهادتين ولا يشرك بالله أحداً؟.. إذن موضوعات الكفر والإيمان هذه يجب أن تخرج من دائرة نقاشاتنا كما يجب أن ننزع هذا السلاح الخطير من أى يد تحاول استخدامه، لأن هذا السلاح إذا أفادنا اليوم فى معاركنا السياسية ضد الخصوم فإنه قد يستخدم ضدنا غداً ويبرر الغدر بنا واتخاذ الإجراءات الظالمة بحقنا، ولنعلم أن الكفر والإيمان هى حقوق مصانة بواسطة الشرائع والدساتير والإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وأن ما نحتاجه حقاً هو نصوص قانونية تجرم تكفير الناس حتى لو كانوا مجرمين، فالجرائم لها عقوبتها الجنائية، أما المعتقدات فلا يحاسب عليها سوى رب العباد الذى ليس له على الأرض وكلاء.