بقلم - أسامة غريب
مازال الذهول هو سيد الموقف، بعد أن شاهد الناس على الهواء مبنى الكابيتول، حيث يجتمع أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، يتم اقتحامه بواسطة عصابة دونالد ترامب، وهذا التعبير (عصابة ترامب) استخدمته صحيفة «واشنطن بوست» كمانشيت رئيسى لها، حيث كتبت: عصابة ترامب تجتاح الكابيتول. لكن الأمر الغريب الذى لم يقدم أحد له تفسيرًا هو الهشاشة التى كان عليها التأمين والحراسة، فى حدث مفصلى كهذا ينتظره العالم كله، وهو مصادقة المجلسين على نتيجة الانتخابات الواردة من المجمع الانتخابى بفوز جوزيف بايدن. رأينا البوليس يفسح الطريق ويترك أعضاء العصابة يزيحون المتاريس ثم ينطلقون إلى الداخل. المسافة من عند الحواجز حتى سلالم الكابيتول حوالى مائة متر لم يحاول خلالها رجال الأمن منع المقتحمين أو تعطيلهم، والأعجب أن هؤلاء المقتحمين كان بعضهم يسير على مهله بالخطوة المعتادة، أى أن الإمساك به واعتقاله لمنعه من دخول المبنى كان أمرًا فى منتهى السهولة لو توافرت الإرادة.
أمر آخر هو أن هذه الأحداث كانت معروفة سلفًا ولم تكن مفاجأة، فلماذا لم يستعد أمن الكابيتول ولماذا لم يطلب تعزيزات، خصوصًا وهو يرى ويسمع ترامب يخطب فى جماعته فى نفس يوم الأربعاء، قائلًا: لا تتركوهم يسرقون إرادتكم.. أثبتوا لهم أنكم أقوياء!. كل ما حدث كان معروفًا، فلماذا لم يتم منعه، ولماذا رفض القائم بعمل وزير الدفاع أن يدفع بالحرس الوطنى للجم الغوغاء وإنهاء التمرد؟.. لقد ظل على موقفه حتى قام حاكم فيرجينيا بإرسال مائتى فرد من الحرس الوطنى الخاص بالولاية وعندها فقط أمر بإرسال تعزيزات. سؤال آخر يفرض نفسه هو: كيف وقف المقتحمون فى صحن الكابيتول هول بالداخل يأخذون صورًا «سيلفى» مع رجال الشرطة، وبعضهم كان يرتدى ملابس الدببة وفراء الذئاب ويدهن وجهه على شكل أسد ويضع قرونًا مخيفة؟، لقد تعامل معهم رجال الشرطة وكأنهم فقرة مضحكة فى كرنفال، لا بحسبانهم مجرمين يقتحمون أعرق مجلس تشريعى ويروعون أعضاءه. لقد تساءل أحد المراسلين: هل لو كان هؤلاء المقتحمون من ذوى البشرة السوداء أو من ذوى الأصول العربية كان سيتم التعامل معهم بهذا الرفق والحنان؟، وهل كانت ستتم تسميتهم بالمتظاهرين، أم أن صفة الإرهاب كانت ستُلصق بهم فى الحال، وزخات من الرصاص كانت ستخترق أجسادهم؟.
لقد صار معروفًا أن الأشخاص الأربعة الذين قُتلوا داخل المكان لم يلقوا مصرعهم برصاص الشرطة، وإنما قتلهم الحرس الخاص بالمجلس عندما اقتربوا من الأعضاء وشكلوا تهديدًا بالنسبة لهم. هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات.. هل هو التواطؤ من جانب رجال عيّنهم ترامب وقاموا بدورهم فى تنفيذ مخططه، أم أن العكس هو الصحيح وأن خصوم ترامب سعوا لترك الغوغاء يدخلون حتى تتم إقامة الحجة على ترامب وضبطه بالجرم المشهود، وذلك حتى يستطيعوا قمعه وتأديبه، وربما محاكمته بعد ترك البيت الأبيض، والقضاء على مستقبله السياسى؟.. ستجيب الأيام عن هذه الأسئلة.