بقلم - أسامة غريب
عندما قام الفنان كمال الطويل بتلحين نشيد «والله زمان يا سلاحى»، كان وازعه هو الحماس للوطن والرغبة فى شحذ همة الشعب المصرى فى مواجهة العدوان الثلاثى عام 1956.. ومع ذلك فهو لم يكن يعرف أن لحنه سيتم اختياره فيما بعد ليكون النشيد الوطنى للبلاد. يحكى الفنان كمال الطويل فى واحد من لقاءاته التليفزيونية النادرة أنه عرف خبر فوز نشيده الذى ألفه صلاح جاهين عن طريق الصحفى المقرب من عبدالناصر محمد حسنين هيكل، وأن هيكل بشّره بتفوق لحنه على كل الأعمال التى كانت تطمح لنيل هذا الشرف، ولم ينس الصحفى الكبير فى نهاية المكالمة أن يخبره بأن قيمة الجائزة التى تقررت للحن الفائز هى خمسة آلاف جنيه، وهى بمعايير الزمن الحاضر تعادل أكثر من مليون جنيه. المهم يخبرنا كمال الطويل بأنه حظى بلقاء جمال عبدالناصر فى عيد الثورة، وعندما كان يصافح الزعيم على المنصة أمسكه الأخير من يده متسائلاً: هل تسلمت المكافأة يا كمال؟ فلما أجاب بالنفى وبأن التكريم الأدبى يكفيه، أشار الرئيس إلى السيد كمال الدين حسين، وطلب منه أن ينهى موضوع مكافأة الفنان الوطنى الموهوب.
ما حدث بعد ذلك أن كمال الدين حسين تم إقصاؤه عن موقعه وحل محله على صبرى. لم يُخف كمال الطويل عدم ارتياحه لعلى صبرى، ومع ذلك فقد ذهب إلى مكتبه، وهناك قابل سكرتيره الذى قال للفنان: أنت هنا من أجل مكافأة الألف جنيه؟. رد الطويل مندهشًا: لقد قيل لى إنها خمسة آلاف جنيه، ومع ذلك لو منحتمونى تكريمًا معنويًا فسوف يكون فيه الكفاية. قال الرجل: انتظرنى حتى أخبر الريس بوجودك هنا، ولكى آخذ منه التعليمات بخصوص موضوعك!. يعقب الطويل بأنه فوجئ بأنهم يطلقون على السيد على صبرى: الريس!. المهم غاب الرجل بالداخل ثم عاد حاملًا خبر أنه تقرر أن يحصل الفنان كمال الطويل على سيارة بدلًا من المبلغ المالى، وبناء على ذلك توجه فى اليوم التالى إلى مقر شركة النصر لصناعة السيارات، التى كانت تنتج السيارة نصر 1100 والتى كان سعرها للجمهور 780 جنيهاً.
يضحك كمال الطويل وهو يحكى عن تقلص المكافأة من خمسة آلاف إلى ألف وبعد ذلك سبعمائة وثمانين جنيهًا!..المهم أنه قابل رئيس الشركة وأخبره بموضوع السيارة. رحب الرجل به وأمر بتسليمه سيارته، وقبل أن ينصرف الطويل فوجئ برئيس الشركة يطلب ثمن السيارة! لم يصدق الملحن الكبير ما سمع وقال للرجل إنها مكافأة مصروفة له من الدولة، فكان الرد الصاعق أن التعليمات التى وردت هى أن يستثنيه فى موضوع الدور ويسلمه السيارة فورًا بعد أن يدفع ثمنها!. يضحك الفنان الكبير وهو يقول إنه أخرج دفتر الشيكات من جيبه وحرر شيكًا بثمن السيارة، ثم خرج مذهولًا دون أن يعلم أين ذهبت الخمسة آلاف جنيه.. ولمن ذهبت؟!
طبعًا عبدالناصر ليس مسؤولًا عن انعدام الضمير وقلة الذوق التى تعامل بها معاونوه مع شخص أراد الرئيس تكريمه ماديًا ومعنويًا، لكنه بالتأكيد مسؤول عن اختيار هذا النوع من المعاونين دون غيرهم!.