بقلم: أسامة غريب
هل يسهل قول الحق فى بيئة غير متسامحة؟.. إننى لا أقصد الرأى السياسى الذى يتعارض مع التوجهات الرسمية، لكنى أتحدث بعيدًا عن السياسة.. فمثلًا هل يستطيع أحد أن يطالب بإلغاء مسابقات كرة القدم التى لا تحمل للناس سوى الهم والغم وقلة القيمة؟. الجماهير نفسها قبل الحكومة لن ترحب بهذا الموقف وسوف تلعن قائله لأنه يريد أن يحرمها من الهوان الذى أدمنته!. كذلك وجودك وسط مجتمع ينظر للسيدة أم كلثوم نظرة بها ما يشبه القداسة تجعل من الصعب على الناقد الموضوعى أن يحدّث الناس عن أعمال لا تعجبه لأم كلثوم، ذلك أن صوته فى هذه الحالة سيكون بمثابة نغمة نشاز بعيدًا عن العزف الجمعى الذى يشيد فقط، ويمتدح فقط، ويهلل فقط، وهنا قد يجد هذا الشخص نفسه مضطرًا إلى الكتابة عن الأعمال التى تعجبه لأم كلثوم فقط.. هو هنا لن يكذب ويمتدح جوانب لا يحبها، لكنه سيكتفى بالكتابة عما يروقه، ويؤجل الحديث عما لا يروقه لزمن آخر قد يكون الناس فيه أكثر إنسانية بحيث يتسع صدرهم لرؤية جانب آخر من الصورة يصرون على التعامى عنه.
الشيخ راسبوتين الذى قاد حملة ترييف أهل المدن وسلبهم كل سمات المدنية التى كانت تميزهم وجعلهم يحتقرون الفن بأنواعه ويلبسون الجلباب القصير مع شبشب مقاس 48 بصرف النظر عن مقاس قدم الأخ المؤمن.. هل يستطيع أحد أن يدينه ويبين تهافت آرائه بعد مضى كل هذه السنوات على وفاته؟.. لا أحد يقدر، لأن الرأى العام الغافل يحمى تراث هذا الرجل وأمثاله ببسالة منقطعة النظير. مثال آخر: كلنا نعرف أن الأهل يكثرون من الفخر والإشادة بذكاء أبنائهم، ولا يوجد من يتصور فى أولاده الغباء أو الجهل، ومع ذلك فما إن تقترب الامتحانات إلا وتجد الأهالى يضغطون على الوزارة بكل السبل حتى تكون الامتحانات فى مستوى الطالب العبيط.. ينسون عبقرية الأبناء، ويرفضون بشدة أى اختبار حقيقى لقياس القدرات وفرز المتميز من العادى من بين الطلبة، وغالبًا ما تخضع الوزارة للرأى العام فتتساهل فى الامتحانات والتصحيح، لدرجة أن معظم التلامذة أصبحوا يحققون فوق التسعين فى المائة.. والمؤسف أن هذا لا يعبر عن تميز بقدر ما يعكس سطوة الغافلين وخضوع الإدارة لهم. إن ضغط الغوغاء لا يسمح فى الغالب بقول الحق أو ذكر الحقيقة أو طرح رؤى جديدة.. والمخاوف المبررة من فقد الأنصار والأتباع قد تجعل من يمتلك نظرة نقدية كانت خليقة بأن تغير المجتمع إلى الأحسن يؤثر أن يسير فى القطيع ويكتم رؤيته المختلفة، خوفًا من أن يُتهم فى وعيه أو فى ذوقه أو فى دينه- والعياذ بالله!.