بقلم: أسامة غريب
يلتقى الجمعان فى الموقعة الحربية، فيلتحم الجنود فى صراع ضارٍ ويحاول كل منهم أن يبدى أقصى قدر من العزم والشجاعة فى مواجهة عدوه، ويسعى بإصرار لا يعرف الكلل إلى قتل أكبر عدد من جنود الجيش المُعادى.. هذا الجندى الباسل يستند فى طرد الخوف من قلبه إلى استدعاء الغضب وتركه يستعر فى داخله، فيستمر الحنق والأدرينالين المتدفق فى إمداده بالطاقة والعزم لافتراس المزيد من الجنود وتقطيع أوصالهم وإذلال من يقع فى الأسر منهم.. كل هذا يفعله الجندى الباسل من أجل الشرف والمجد.. الشرف لنفسه والمجد للسلطنة أو المملكة أو الإمبراطورية، ولصاحب المقام الرفيع حاكم البلاد الذى أشرف على قيادة الجيش ودفع رجاله لمحاربة قوم لا يعرفونهم وقتل رجال لم يسيئوا إليهم وتخريب ديار قد تكون لم تمد لهم اليد بأى أذى!. هذا هو ما يحدث على مر التاريخ.. الجندى الذى انتزعوه من أحضان زوجه وأطفاله ليدفعوا به إلى قتال لا يعرف أسبابه، ومعركة لن ينجو منها إلا إذا قام بقتل كل من يصادفه من رجال هم مثله تمامًا، لهم عائلات وأطفال، ولديهم أرض تحتاج لمن يزرعها لإطعام أفواه الصغار. لكن تُرى ما الذى يجعل الرجل ينصاع ليكون ترسًا فى آلة للقتل فى معركة لا تخصه وإنما فقط ترضى طموح الملوك الذين يتصارعون من أجل توسيع رقعة المال والنفوذ والسيطرة؟. ما يجعله ينصاع هو الخوف من العقاب، فالملوك يضرب الواحد منهم بمَن أطاعه مَن عصاه! ولا يعنى رفْض المشاركة فى القتال الموت فقط، لكن تلويث الشرف، والعار الذى تنشط ماكينتهم الإعلامية فى إلحاقه بذريته وأبنائه. وهناك أيضًا الحوافز التى يقدمها السادة للعبيد حتى يحصلوا على مجهودهم، والتاريخ يذكر لنا أمثلة عديدة لهذا النوع، منها القاتل الأشهر «وحشى» الذى دفعوه لقتل رجل يحبه ويحترمه ويقدره كل التقدير هو حمزة بن عبد المطلب، مقابل حريته التى لم يحصل عليها أبدًا على الرغم من أنهم أعتقوه!. وهناك عنترة بن شداد الذى كان عبارة عن ماكينة قتل لا تكل ولا تمل، إذ إنه كان يصد الأعداء عن ديار قومه، فلما تباطأوا فى منحه الاعتراف الذى احتاجه ترك أرضهم تُستباح من القبائل المغيرة ولم يقبل أن يحمل السلاح إلا بعد أن وعدوه بأن يزوّجوه ابنة عمه التى أحبها. ليس هذا فقط، وإنما تروى الحكاية الشائعة عنه أنه بعد أن وقع فى الأسر وهو يعتدى على أملاك الملك النعمان بن المنذر، فإن الجند حملوه إلى الملك وهناك وعده النعمان بمنحه أى عدد يشاء من النوق الحمر، بشرط أن يقضى معه بضع سنين يقاتل فيها إلى جانبه.. تُرى، كم عدد الذين قتلهم عنترة من الذين لم يدوسوا له على طرف وليس بينه وبينهم أى ضغينة؟ ولماذا يستطيع الإنسان بسهولة أن يقتل دون أسباب مقنعة؟.