لندن- صوت الإمارات
قضينا عمرنا كله نعرف أن الصين عاصمتها مدينة بكين، وفى كل مدينة، بما فيها القاهرة، يوجد مطعم صينى، اسمه «بكين»، ومع ذلك فقد فوجئنا منذ سنوات باسم جديد تم اعتماده لنفس المدينة هو «بيجينج»، ويُقال إن هذه التسمية لها علاقة بالكبرياء الوطنى، الذى دعاهم إلى استرداد الاسم الذى عُرفت به المدينة كما نطقه الأجداد فى لغة الماندارين!.. لا بأس بالكبرياء الوطنى، ولكن هل هو نفسه الذى دعا إلى تغيير اسم مدينة «بومباى» ليصبح فجأة وبدون سابق إنذار «مومباى»؟. لقد أمضينا زمنًا طويلًا نعرف المدينة الهندية الشهيرة عاصمة ولاية ماهاراشترا المعروفة بالبؤس والثراء، بناطحات السحاب وعشش الصفيح.. نعرفها باسم «بومباى».. تلك المدينة الهندية الفريدة التى قدمت صناعة للسينما تضاهى الصناعة الأمريكية.. ما الذى حدث حتى يتغير اسمها الذى يحفظه العالم كله؟ لابد أن لديهم أسبابهم. ولئن كان التسامح ممكنًا فيما سبق، إلا أن ما فعلته دولة ساحل العاج هو الذى يستحق وقفة حقيقية.. فهذه الدولة الإفريقية البازغة فاجأت العالم عندما قررت أن يعرفها الناس وينطقوا اسمها «كوت ديفوار»، وهو المعنى الفرنسى لـ«ساحل العاج». وجه الدهشة فى الأمر أن الجميع فى السابق كانوا يطلقون عليها نفس التسمية، لكن كل بلغته، فالعرب يقولون «ساحل العاج» والإنجليز يقولون «آيفورى كوست».. فلماذا يا تُرى انتفض إخوتنا العاجيون، وقرروا أن يعتمدوا الاسم الفرنسى ويفرضوه على العالمين، بل أصبحوا يحتجون رسميًا على مَن يتجرأ ويقوم بترجمة الاسم إلى لغته، ويعتبرون هذا عدوانًا على السيادة!. كان من الممكن أن نفهم هذه الغيرة على اسم البلد لو أنهم ترجموه إلى لغتهم الإفريقية الأصلية.. لم يكن أحد ليندهش أو يلوم لو أنهم فعلوا ما فعلته جمهورية فولتا العليا، التى انتفضت بعد الاستقلال، ورفضت الاسم الذى اختاره لها المستعمر، واستدعت من التراث الوطنى اسمًا إفريقيًا، هو بوركينا فاسو.. وهو الأمر نفسه الذى فعلته «روديسيا»، بعد أن غادرها المستعمر البريطانى، فاختارت لنفسها اسمًا محليًا ذا صبغة وطنية، هو «زيمبابوى». كل هذا مفهوم ومحمود.. أما التحيز للاسم الذى اختاره المستعمر الفرنسى والتصرف على أساس أننا أحفاد هذا المستعمر وورثته الشرعيون فمثير للعجب!. لكن ربما تكون دهشتى هذه عائدة فى جزء منها إلى الغيرة من الإخوة الأفارقة، الذين فعلوا ما لم نستطع نحن المصريين أن نفعله.. فبدلًا من أن نفرض اسم مصر على الجميع فإننا تركنا كل واحد ينطق اسم بلدنا على هواه، فهناك مَن يقول «إيجيبت» وهناك مَن يقول «إيجبتين» ومَن يقول «إيجبتو».. كما أننا لم نحرك ساكنًا والعالم يعبث باسم عاصمتنا «قاهرة المعز»، فهناك مَن يقول «كايرو»، ومَن يقول «لوكير»، وكأنها مدينة بلا صاحب!. أقول هذا على الرغم من معرفتى بأنه يُستحسن عدم السؤال عن أشياء إن تُبْدَ لنا تسُؤْنا.. والله أعلم!.